عمّان | يكفي الأردن ما فيه من تنوع ديموغرافي مكسور التوازن بين المواطنين الأصليين النابعين من أصول قبلية، واللاجئين الفلسطينيين والسوريين والعراقيين. هذه المكونات تشكل خليطاً يجعل المملكة تقف على أرض هشة، في ظل فقدان موارد تعينها على خلق موازنة كافية، ما دعا الحكومة إلى الميل إلى خصخصة مشاريع أساسية في البلاد.
هذا الاستعراض للمكونات البشرية في الأردن يمهد الطريق لفهم أي تأثيرات لاحقة لسقوط أي نظام حكم مجاور في سوريا أو العراق على التركيبة المنوعة. كذلك للطبيعة القبلية التي تؤثر في القصر الهاشمي ارتباط تاريخي بقبائل أخرى في الخليج والعراق، وجزء كبير من القبائل الممتدة تشكل اليوم حاضنة ومنطلقاً لتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام المعروف بـ«داعش»، الذي بدأ هجوماً كبيراً في العراق، وانتقل إلى أسلوب السيطرة على المدن والمحافظات، ما يعني أن الحدود العراقية مع كل من الأردن وسوريا أصبحت تحت دائرة الخوف.
ويخشى سمير، وهو طالب يدرس الإعلام في جامعة الزرقاء، من تأثير متزايد في الشباب الأردنيين، ولا سيما المتدينين، بعد الهالة الإعلامية المرتبطة بالأعمال العسكرية لـ«داعش» في كل من جارتي المملكة. يتذكر سمير ترك ابن عمه جمال (اسم مستعار) مقاعد الدراسة من السنة الثالثة في تخصص الهندسة في جامعة معان جنوب الأردن، ليفاجئ ذويه العام الماضي بمقطع له على «يوتيوب» يظهر فيه ملقّناً أبناء عشائر حلبية صيغة المبايعة لزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي.
هذا التأثير لا يقتصر على الأردنيين أو الفلسطينيين من حملة الجواز الأردني، فقد اصطحبنا ضياء، وهو عراقي لأم أردنية، إلى أحد المقاهي في منطقة ماركا شرق العاصمة عمان، أثناء تسجيله بيانات عراقيين اعتادوا التجمع هناك بصفته متطوعاً في منظمة الإغاثة الدولية (UNHCR). هؤلاء قدموا من العراق إلى الأردن بصورة مؤقتة حتى يجدوا وسيلة للبحث عن اللجوء إلى إحدى الدول الغربية. قسم كبير منهم رفض التحدث لـ«الأخبار» بأسمائهم الصريحة خشية تعرض عائلاتهم للخطر. لكن بعضهم توزعت آراؤهم بين ناظر إلى أن «داعش» مجموعة إرهابية مدعومة من بعض الدول الخليجية، وآخرون يرون أنه حراك سنّي استغلته بعض القوى المتطرفة في دول الخليج.

نفت عمان تسجيل
أيّ موجة نزوح لعراقيين إلى المملكة

الشاب جاسم، وهو عراقي من البصرة، يرى أن إيران تقف وراء «داعش»، مستشهداً بدعمها مكوّنات سنيّة في السابق ليخوضوا حرباً بالوكالة ضد الجيش الأميركي قبل الانسحاب. أما زبير القادم من البصرة، فقال لـ«الأخبار» إن تنظيم الدولة لا يمثل العراقيين أو العشائر السنيّة، «كذلك فإن أخطاء الحكومة العراقية لا تبرر للمسلحين مواجهة الدولة وقتل أفراد الجيش العراقي». ويعتقد زبير أن خطر «داعش» سيتجاوز الحدود العراقية.
في هذا السياق، كرر وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الأردني، محمد المومني، ما صرّح به وزير الخارجية ناصر جودة، عقب جلسة مشتركة مع النواب أمس، حين قال إن بلاده تنظر بقلق إلى تطور الأحداث في البلد الجار، وتابع جودة: «نراقب بحذر ما يجري في العراق من تطورات متسارعة على الصعيد الأمني»، واصفاً هذه التطورات بـ«المدهشة».
وبينما نفى المومني لـ«الأخبار» تسجيل أي موجة نزوح لعراقيين إلى المملكة على خلفية الأحداث الأخيرة، عبّر النائب في مجلس النواب وعضو لجنة الشفافية، علي السنيد، عن مخاوفه من خطر حقيقي بات يهدد الأردن جراء ما تفعله «الأحزاب الدينية المتطرفة التي يجد فيها بعضهم بديلاً من الاعتدال». وقال السنيد لـ«الأخبار»: «هؤلاء يفعلون ما يفعلون تحت مبرر غياب إصلاح سياسي حقيقي في دول الإقليم».
أما الداعية الإسلامي القريب من التيارات الجهادية، إياد القنيبي، فقال إن «تنظيم الدولة يحسن العمل في العراق هذه المرة على خلاف سلوكه الجهادي في أماكن أخرى». واستدرك حديثه لـ«الأخبار» بأنه لا يرى في «داعش» حالة إسلامية صافية تمثل الإسلام وقيمه.
ونقل الموقع الرسمي للقوات المسلحة الأردنية تصريحاً لمصدر مسؤول في القيادة العامة للجيش أوضح فيه حالة التأهب العالية، ليس فقط على الحدود مع سوريا، بل إنه كشف عن تمكن حرس الحدود خلال 48 ساعة مضت من إلقاء القبض على 22 شخصاً حاولوا التسلل عبر الحدود ومن مناطق مختلفة، «منهم 21 من جنسيات عربية وأردني واحد، وقد أصيب اثنان منهم».
بالتوازي مع ذلك، أعلن وزير الداخلية حسين المجالي، خلال جلسة مجلس النواب، أن الأجهزة الأمنية تشارك القوات المسلحة ضبط الحدود مع العراق، لافتاً إلى أنه في حال تدفق اللاجئين العراقيين فسيجري التنسيق مع الحكومة العراقية وجهات أخرى. ولم ينف أن ما يحدث في العراق مرتبط بسوريا، مبيناً أن «الداخلية» اتخذت الاستعدادات اللازمة لمواجهة أي طارئ «وهي على مقدرة لحماية البلد». وقال المجالي: «البيئة الموجودة في المنطقة تساعد على تنامي التطرف، لكن التطرف لا يعالج بالبندقية فقط، بل هناك مسارات أخرى لمعالجته؟».
وزير الإعلام الأسبق طاهر العدوان أوضح من جهته أن ما يجري في العراق وسوريا يمثل إنذاراً مفتوحاً وخطراً على الجميع، داعياً إلى الحذر من «داعش» التي وصفها بـ«اللغز» الذي يستغله أطراف الصراع في الإقليم. واعترف العدوان في حديث مع «الأخبار» بأن تنظيم الدولة هو تهديد غير مباشر للأردن، «لكنه لو تحول إلى تهديد حقيقي فلن ينفعنا الأميركيون الذين يتركون حلفاءهم وقتما يشاؤون».