القدس | أربعة شهداء وستّ إصابات إسرائيلية في أربع عمليات طعن خلال أسبوع. هذه المعطيات ليست إلّا جزءاً من الصورة الكاملة للوضع الميداني المتفجّر تدريجياً في القدس والضفة المحتلّتَين، في ظلّ تحذيرات إسرائيلية متكرّرة من موجة عمليات فلسطينية مقبلة خلال شهر رمضان. وعادت عمليات الطعن، أخيراً، لتتصدّر واجهة المشهد مجدّداً وبشكل مفاجئ، حيث وقعت 4 منها في خمسة أيام في مدينة القدس وضواحيها، نُفّذت أوّل اثنتَين منها في يومَين متتاليَين قرب بلدة حزما، وأسفرتا عن إصابة مستوطنَين اثنين، فيما اعتقل جيش العدو المنفّذ بعد العملية الثانية بعدّة ساعات، إثر تنفيذه كلتا العمليتَين بنجاح وانسحابه من المكان. أما الثالثة فقد وقعت قرب باب الأسباط - أحد أبواب المسجد الأقصى -، ونفّذها الشهيد كريم القواسمي من بلدة الطور في القدس، وأدّت إلى إصابة اثنَين من عناصر شرطة الاحتلال.وتُعدّ العملية الرابعة الأكثر خطورة، إذ إن منفّذها الشهيد عبد الرحمن قاسم وصل من الضفة الغربية لتنفيذها داخل سوق القطانين في القدس، مخترقاً بذلك كلّ التحصينات والحواجز الإسرائيلية، كما أن القدس لم تشهد منذ أشهر طويلة تنفيذ فلسطيني من الضفة هجوماً مشابهاً، علماً أن العملية أدّت إلى إصابة اثنَين من الشرطة الإسرائيلية.
مسؤول في شرطة العدو علّق على توالي عمليات الطعن، في حديث إلى صحيفة «إسرائيل اليوم»، بالقول: «يبدو أن سلسلة عمليات الطعن الفردية قد عادت». ويرى مراقبون أن هذا التوالي قد يشي بانطلاق موجة من العمليات المتشابهة المتدحرجة خلال الأسابيع المقبلة، وأن مثل هذه الهجمات لا يمكن أن تكون صدفة في التوقيت بالطبع، بل تعتمد على الظرف السياسي العام، وتجارب الآخرين و»القدوة أو النموذج» أو ما يسمّى إسرائيلياً بـ»تقليد المنفّذين بعضهم لبعض»، على رغم أن طبيعة العملية والقرار يكونان فرديَّين.
وبحسب إحصائية وصلت «الأخبار»، فإن الضفة الغربية شهدت، منذ 2 آذار الجاري وحتى عصر أمس، 12 عملية إطلاق نار استهدفت قوات جيش العدو وحواجزه ومواقعه، خصوصاً في شمال الضفة، وتحديداً في محافظتَي نابلس وجنين. واللافت هو دخول مناطق جديدة في دائرة الاشتباك المسلّح، مثل: مخيم عسكر الجديد، وحيّ المساكن الشعبية شرق نابلس، حيث شهدت المنطقتان عمليتَي إطلاق نار تجاه جيش الاحتلال خلال اقتحام ليلي في فجر 9 آذار الجاري.
ولا تشمل هذه الإحصائية بلدة السيلة الحارثية غرب جنين، والتي سجّلت وحدها عدّة عمليات إطلاق نار وإلقاء عبوات محلّية الصنع أثناء هدم جيش العدو منزل الأسيرَين محمد وغيث جرادات، فجر الثلاثاء الماضي.
إزاء ذلك، أطلق محلّلون وقادة إسرائيليون تحذيرات من اندلاع تصعيد جديد وانطلاق سلسلة عمليات فلسطينية قبيل شهر رمضان، إذ قال المحلّل العسكري والأمني لقناة «كان»، روعي شارون، إن عمليات الطعن الأخيرة جاءت بسبب التوتر الأمني الذي يسبق رمضان، مقارناً بين الظروف السياسية والميدانية التي سبقت معركة «سيف القدس»، وبين الظروف الحالية. وأضاف إنه على «رغم أن التقديرات الأمنية حالياً لا تشير إلى وقوف جهة أو منظّمة ما وراء عمليات الطعن، إلّا أن العمليات الأربع قد تشجّع منفّذين آخرين على تنفيذ عمليات جديدة».
ويُجمع مراقبون على أن هذه الموجة من التصعيد ليست عابرة، لأنها جاءت بعد مرحلة هدوء نسبي استمرّت منذ عام 2019 وحتى معركة «سيف القدس» العام الماضي، ثمّ استمرّت في الضفة حتى بعد نهاية المعركة، وتصاعدت بشكل أكبر مع عملية «نفق الحرية» وهروب أسرى سجن جلبوع الستّة. وعلى رغم الجهود الكبيرة والملاحقة المزدوجة من العدو الإسرائيلي وأمن السلطة بهدف إعادة الهدوء وإنهاء ظاهرة المسلّحين والمطارَدين، إلّا أن هذه الأهداف لم تتحقّق حتى الآن. وإذ لا يبدو أكيداً ما إذا كانت الأيام المقبلة ستسجّل موجة عمليات كبيرة ومفاجئة، فعلى الأقلّ سيتواصل الاشتباك والتصعيد التدريجي، من دون العودة إلى فترة «الهدوء القاتل».

«مرة السلطة ومرة الجيش»!
يقول الهتاف الشهير للشباب المنتفض: «التنسيق ليش ليش؟... مرة السلطة ومرة الجيش»!. من أجل ذلك، بدأ نشطاء وعائلات معتقلين لدى أمن السلطة حراكاً شعبياً في جنين، للمطالبة بالإفراج عن المطارَدين والمقاومين المعتقَلين في سجن أريحا. ومنذ أيام، يتمّ تنظيم عدّة وقفات وفعاليات في جنين ومخيمها.
ومعظم المعتقلين أسرى محرّرون، وينتمون إلى «حركة الجهاد الإسلامي» أو جناحها العسكري «سرايا القدس»، ومن أبرزهم: محمود السعدي، وهو معتقل منذ شهر لدى أمن السلطة، بعدما أُفرج عنه قبل شهرين من السجون الإسرائيلية، وبعدها أصبح مطلوباً لجيش العدو، وأيضاً عبدالله أبو زميرو، الذي اعتقله أمن السلطة من مستشفى جنين بعد شهرين من الإفراج عنه من سجون الاحتلال.
وإلى جانبهم أدهم مرعي، وهو شقيق شهيد ومطارَد لدى جيش العدو، والجريح براء لحلوح، المطلوب والمطارَد الذي أصيب بستّ رصاصات إسرائيلية سابقاً.
وعلى رغم تشديد السلطة الخناق على المطارَدين واعتقالها عدداً كبيراً منهم، واستمرار ملاحقة آخرين، إلا أن كلّ التقديرات المتوفّرة تشير إلى استحالة وقوع اشتباكات داخلية تسفر عن إصابات أو ضحايا بين الطرفَين في جنين، بسبب خصوصية الجغرافيا والتاريخ، وطبيعة المقاومين ووعيهم الكبير، فيما أقصى ما يمكن أن يجري هو ما اعتادت عليه جنين ومخيمها عند تفريغ الاحتقان، أي إطلاق النار على مباني المقاطعة بقصد التعبير عن الغضب أو إطلاق النار في الهواء أثناء ملاحقة أمن السلطة. وفي المقابل، ستستمرّ عمليات إطلاق النار وإلقاء «الأكواع الناسفة» تجاه العدو الإسرائيلي.