شيع الفلسطينيون أول من أمس الشهداء الذين ارتقوا في المواجهات التي تلت فقدان أثر ثلاثة مستوطنين إسرائيليين منذ الخميس الماضي. وشارك الآلاف من مخيم الجلزون شمال رام الله في جنازة الشهيد أحمد الصبارين (20 عاما)، الذي استشهد في مواجهات مع قوات الاحتلال، التي لا تزال تنفذ حتى الآن حملات اعتقال ومداهمة كبيرة في الضفة المحتلة.
وكان من أبرز نتائج اليوم الثاني من تلك الحملة اعتقال قرابة 40 من قادة حركة «حماس» في الضفة، بينهم رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك، والقيادي ماهر الخراز، إضافة إلى نواب ووزراء سابقين أبرزهم النواب: باسم الزعارير، وسمير القاضي، وعزام سلهب، ومحمد الطل، ونايف الرجوب. بالتوازي مع الاعتقالات والتمشيط الكبير الذي وصل جبال الخليل والقرى الريفية كدورا وتفوح ولوزة وحي عيصى، تنشب اشتباكات متفرقة بين المواطنين وجنود الاحتلال في مدن الضفة، وأولاها الخليل داخل مناطق باب الزاوية، وبلدة حلحول (شمال) وصوريف، ووسط المدينة، كما انتشر الجنود بكثافة على مداخل بلدة يبت أمّر (شمال). وشهدت مدن طولكرم وبيت لحم ونابلس حملات أخرى مماثلة.
أما في قطاع غزة، فأصيب أربعة مواطنين بينهم طفلان في سلسلة غارات شنتها طائرات الاحتلال فجر أمس على أهداف عديدة غالبيتها مواقع عسكرية ومراكز تدريب تابعة للمقاومة، بمحصلة ست غارات متفرقة. وأعلنت سلطات الاحتلال إعادة إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري بصورة مفاجئة بعد وقت قصير من إعادة فتحه، مع تأكيد الارتباط الفلسطيني استمرار إغلاق معبر بيت حانون باستثناء الحالات الإنسانية والأجانب فقط.
على المستوى السياسي، استنكر الرئيس محمود عباس سلسلة الأحداث التي جرت في الأسبوع الماضي «ابتداء من خطف ثلاثة مستوطنين وانتهاء بسلسلة الخروق الإسرائيلية المتلاحقة، في ما يتعلق بإضراب الأسرى أو اقتحام البيوت الفلسطينية والاعتداءات التي أدت إلى استشهاد شاب فلسطيني». وأكد بيان لمكتب عباس أمس، بعدما أشار إلى تلقيه اتصالا هاتفيا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن «الرئاسة ترفض مرة أخرى اللجوء إلى العنف من أي طرف كان، وخاصة أن موقف الرئيس يقضي باستمرار العمل المكثف على الإفراج عن الأسرى المتفق عليهم وجميع الأسرى في السجون عند توقيع أي اتفاق نهائي».
الرئاسة أشارت في السياق إلى «الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية الفلسطينية من أجل الحفاظ على الهدوء والاستقرار ووقف الانجرار إلى حالة من الفوضى، ومنع أي جهة كانت من استغلال الأوضاع لأهداف غير وطنية»، علمًا أن تلك الأجهزة اضطرت في الخليل إلى ممارسة مهماتها اليومية بالزي المدني والاستعانة بالوجهاء للحفاظ على الأمن في ظل العملية الإسرائيلية والحصار المشدد.
أما حركة «حماس»، فحذرت على لسان القيادي فيها مشير المصري، الاحتلال، من «الإقدام على ارتكاب أي حماقة ضد الشعب الفلسطيني بما في ذلك إبعاد قادة الحركة»، محملًا إسرائيل المسوؤلية الكاملة عن التداعيات المترتبة على ذلك. وقال المصري في تصريح صحافي أمس: «اعتقال رئيس المجلس التشريعي والنواب وقادة الشعب يمثل حماقة ستزيد فاتورة الرد لدى المقاومة، التي تدرس طبيعة التعاطي الميداني مع العدو».
من جهة أخرى، طالبت مصر، إسرائيل، «بالتزام أقصى درجات ضبط النفس ووقف تصعيد الموقف في الأراضي المحتلة على خلفية اختطاف ثلاثة إسرائيليين». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير بدر عبد العاطي، أمس، إن «القاهرة تطالب بضبط النفس حتى يمكن احتواء التوتر والحيلولة دون تفاقم الأوضاع بصورة يصعب السيطرة عليها لاحقا»، في إشارة إلى إعلان المجلس الوزاري المصغر في تل أبيب نيته توسيع العمليات الأمنية في الضفة، وخاصة بحق «حماس».
في ما يتعلق بالأسرى الذين يواصلون إضرابهم عن الطعام منذ 55 يوما، فقد وجه عدد منهم رسالة إلى القيادة الفلسطينية للتدخل لإنقاذ حياتهم في معركتهم ضد قانون الاعتقال الإداري، محذرين من إهمال قضيتهم في ظل ما طرأ من تداعيات على الساحة الفلسطينية. ونقل مدير الوحدة القانونية في نادي الأسير، المحامي جواد بولس، عن أسرى مضربين زارهم في مستشفى «تل هشومير» أن أوضاعهم الصحية تفاقمت خلال الأيام الماضية، «ونقل عدد منهم إلى غرف العناية المكثفة بعدما أصيب 9 بهبوط في نبضات القلب، إضافة إلى 20 آخرين نقلوا إلى المراقبة المكثفة لعدة أيام، من جراء إصابتهم بنزف».
ولفت الأسرى إلى أنه منذ 8 أيام لم تجر أي جلسات مع أي من ممثلي مصلحة السجون، مقدرين أن توقف الجلسات «محاولة لبث اليأس بين صفوف المضربين». كذلك، نبه بولس أمس إلى تحذيرات طبية بعدما نقصت أوزان عدد من الأسرى بنسبة 25% عن أوزانهم الأصلية.
بالتزامن مع الزيارة، تظاهر العشرات من الأطباء والممرضين والناشطين الفلسطينيين من القدس والأراضي المحتلة الفلسطيني، أمام مبنى الكنيست في القدس المحتلة، في الوقت الذي جرت فيه مناقشة قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين. وأوضحت مديرة قسم الأسرى في منظمة أطباء لحقوق الإنسان، أماني ضعيف، التي شاركت في التظاهرة، أن رسالتهم هي «رفض سن القانون العنصري القاضي بإجبار الأسير على تناول الطعام لكسر إرادته». ولفتت ضعيف إلى أن إسرائيل اتبعت سياسة التعذية الإجبارية للأسرى خلال السنوات الماضية «ما أدى إلى وفاة 5 أسرى، الأول عام 1970، والأخير عام 1992، وبعد خوض الإضرابات الجماعية توقفت إسرائيل عن هذه السياسة».
يشار إلى أن جامعة الدول العربية حمّلت، الحكومة الإسرائيلية، المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى المضربين. وأعربت الجامعة في بيان صدر عنها أمس عن «تضامنها الكامل مع قضية الأسرى، ومنهم المعتقلون الإداريون المضربون عن الطعام».
في سياق منفصل، يواصل الفلسطينيون من المعتمرين والحالات الخاصة والمرضية السفر المقنن عبر معبر رفح في إجراء استثنائي لفتح المعبر هو الأول منذ تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر، وبدأ فتح المعبر منذ أول من أمس (الأحد) على أن ينتهي غدًا.
(الأخبار)