حسمت تل أبيب حيرتها في حادثة اختفاء ثلاثة مستوطنين مساء الخميس الماضي بعد قرارها الرسمي أن الحادثة «عملية خطف نفذتها حركة حماس وسيكون لها تداعيات خطيرة». وفيما كانت قوات الاحتلال غارقة في إجراءات ميدانية واستخبارية مكثفة لفك ألغاز العملية التي نفذت «بحرفية عالية»، وَجَد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، فرصة لتعويم أجندته السياسية المعادية لحكومة الوفاق الفلسطينية ورئيس السلطة محمود عباس.
نتنياهو اتهم «حماس» بالوقوف وراء عملية الخطف، وقال أمس، في مستهل الاجتماع الأسبوعي لحكومته الذي عقد خصيصاً في مبنى وزارة الدفاع في تل أبيب: «أستطيع أن أقول ما امتنعت عن قوله قبل حملة الاعتقالات الواسعة النطاق في يهودا والسامرة... أولئك الذين خطفوا شباننا هم أعضاء في حماس»، مردفاً: «حماس هي نفسها التي شكل معها محمود عباس حكومة وحدة، ولهذا تداعيات خطيرة».
حتى مساء أمس كانت الجهود الإسرائيلية للعثور على المفقودين الثلاثة مستمرة بوتيرة مكثفة، وسط أنباء عن أن التحقيقات تتركز على اختفاء شابين فلسطينيين قد يكون لهما علاقة بعملية الأسر. والشابان وفق موقع «والا» العبري هما أسيران محرران من عائلة القواسمي في الخليل وينتميان إلى حركة «حماس» واختفيا عن الأنظار منذ الخميس الماضي. وقدّرت مصادر أمنية إسرائيلية أن عملية الأسر نفذت بحرفية كبيرة، وقد نقلت صحيفة «هآرتس» عن المصادر قولها إن منفذي العملية مطلعون جيداً على أساليب عمل «الشاباك» والجيش، ونجحوا في تجنب أخطاء كانت ستؤدي إلى اعتقالهم سريعاً.
الصحيفة أشارت إلى أن التقديرات تفيد بأن منفذي العملية «خلية صغيرة لا تثير ضجة ولا تجري مفاوضات». وقالت إن ضباطاً كباراً في الجيش و«الشاباك» يرجّحون أن المستوطنين موجودون في جنوب الضفة المحتلة، «من دون استبعاد احتمال نقلهم إلى مدن أخرى، لكنهم يرون أن احتمال تهريبهم إلى قطاع غزة أو سيناء أو الأردن ضئيل»، وكذلك طرح سيناريو توزيع الثلاثة على عدة مخابئ.

التحالف بين
أبو مازن وحماس يؤدي إلى نتائج قاسية ومعاكسة
ولفتت «هآرتس» إلى أن الجهود الاستخبارية التي تبذل حالياً تتوزع على عدة مستويات: التنصّت والرصد والاعتقالات والاستخبارات البشرية، مضيفة: «الشاباك بات على الأرجح قادراً على تركيب المشهد، لكن هناك حلقة مفقودة هي هوية منفذي العملية ومكان احتجاز الثلاثة». واختفى المستوطنون الثلاثة قرب «غوش عتصيون» حيث كانوا يستوقفون السيارات المارة لإيصالهم مجاناً إلى القدس المحتلة. وتقع كتلة «غوش عتصيون» الاستيطانية بين مدينتي بيت لحم والخليل جنوب الضفة. والشبان هم: أيال نفراح (19 عاماً) من بلدة «إلعاد» الدينية قرب تل أبيب، ونفتالي فرينيكل من قرية «نوف أيالون» قرب الرملة، أما الثالث وهو جلعاد شاعر (16 عاماً) فيقيم في مستوطنة «طلمون» في الضفة. وثلاثتهم طلبة في مدرستين تلموديتين، ويحمل أحدهم الجنسية الأميركية. وأمس سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر أن أحد المختطفين اتصل بالشرطة بعد دقائق من خطفه وهمس قائلًا: «لقد خطفت».
رغم موقف نتنياهو، فإنه ذكر في مؤتمر صحافي أنه طلب من «السلطة التي خرج الخاطفون من مناطقها فعل كل ما يلزم لعودة المخطوفين بسلام»، محمّلاً السلطة ورئيسها المسؤولية «عن كل هجوم يخرج من أراضيهما، أكان في يهودا والسامرة (الضفة) أم غزة». وأضاف: «هذا الحادث يجسد ما كنا نقوله على مدى أشهر، وهو أن التحالف بين أبو مازن وحماس يؤدي إلى نتائج قاسية ومعاكسة لدفع السلام قدماً بيننا وبين الفلسطينيين». من جهته، قال وزير الدفاع، موشيه يعالون، في المناسبة نفسها: «حادث الاختطاف خطير ولا يمكننا أن نسلم به... نعلم كيف نضع أيدينا على المنفذين». وكشف يعالون عن «إحباط عشرات المحاولات لتنفيذ عمليات خطف وتفجير داخل إسرائيل خلال الأشهر الستة الأخيرة فقط». بدوره، شدد رئيس الأركان الإسرائيلي، بيني غانتس، على أن الجيش سيعمل «بتصميم لإنهاء حادث الاختطاف في أقرب وقت». وقال غانتس: «ستكون عيوننا مفتوحة على الجبهات الأخرى أمام غزة والجبهة الشمالية، تماشياً مع جهودنا لإعادة المختطفين».
الصمت الرسمي غلب على المشهد الإسرائيلي، في ظل طلب نتنياهو من وزراء حكومته التوقف عن الإدلاء بالتصريحات. لكنّ عدداً من الوزراء خرقوا هذا الصمت، ومن بينهم وزير شؤون الاستخبارات، يوفال شتاينتس، الذي طالب المجتمع الدولي بتحميل السلطة مسؤولية الاختطاف. وقال شتاينتس في مقابلة إذاعية إن رام الله «لم تعد تمارس الضغوط على ناشطي حماس منذ توقيع اتفاق المصالحة، كما أنه ليس من المستبعد أن يكون هذا قد جعل الاختطاف أكثر سهولة».
من جهته، ندّد وزير الاقتصاد وزعيم حزب «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، بصمت المجتمع الدولي. وقال بينيت: «يجب على أولئك الذين يمارسون الضغوط على إسرائيل لإطلاق سراح الإرهابيين أن يحشدوا أنفسهم الآن للمطالبة بإطلاق سراح الشبان الذين خطفوا وهم في طريقهم إلى المدرسة». أما وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، فعارض فكرة الإفراج عن سجناء فلسطينيين ضمن صفقة مستقبلية لتبادل الأسرى، مشيراً إلى أنه سيعمل على تبنّي مؤسّسات حزبه، «إسرائيل بيتنا»، قراراً يلزم وزراء الحزب ونوابه بالتصويت ضد مثل هذه الصفقة.
على الصعيد الميداني، نفذت قوات الاحتلال إجراءات مكثفة على امتداد الضفة وفي محيط غزة، ضمن حملة واسعة أطلقت عليها اسم «عودوا أيها الإخوة»، وفرضت حصاراً كاملاً على الخليل بعد استدعاء جنود من الاحتياط، في حين لم تستبعد وسائل الإعلام العبرية شن عملية عسكرية واسعة داخل المدينة. كذلك شن الجيش حملة اعتقالات واسعة شملت 80 من كوادر حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، كما منع 5000 عامل من التوجه إلى الأراضي المحتلة وأغلق معابر القطاع وأوقف زيارات أهالي الأسرى إلى جانب منع السفر من الضفة إلى الأردن. وقالت الإذاعة الإسرائيلية أمس إن الرضا يسود الأوساط الإسرائيلية إزاء تحركات الأمن الفلسطيني في محاولات العثور على المستوطنين الثلاثة، ووصفت تلك الأوساط التنسيق بأنه «قوي جداً وغير مسبوق».




صفقات التبادل

يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين الذين تحرروا من السجون الإسرائيلية في صفقات مختلفة نحو 7500 أسير. من أبرز هذه الصفقات:
22/7/1968، تحرير 24 أسيراً فلسطينياً مقابل إطلاق سراح ركاب طائرة العال الإسرائيلية التي اختطفتها مجموعة تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
1983، تحرير آلاف المعتقلين الفلسطينيين واللبنانيين في معتقل أنصار مقابل ستة جنود إسرائيليين كانوا لدى حركة «فتح».
21/5/1985، تحرير 1150 أسيراً مقابل ثلاثة جنود كانوا بحوزة الجبهة الشعبية ـــ القيادة العامة، أسروا خلال حرب لبنان الأولى.
16/2/1989، أسر جندي إسرائيلي على أيدي مقاومين من حركة «حماس» عثر على جثته في 7 أيار من السنة نفسها.
3/5/1989، أسر جندي إسرائيلي دفنت جثته في منطقة بلمحيم.
9/10/1994، أسر جندي إسرائيلي، لكنه قتل خلال محاولة إنقاذه في الرابع عشر من الشهر نفسه.
29/1/2004/ تحرير 401 أسير فلسطيني وعشرات اللبنانيين، واستعادة 60 جثماناً محتجزة مقابل الضابط المتقاعد الحنان تننباوم وثلاث جثث لجنود إسرائيليين أسرهم حزب الله في مزارع شبعا.
25/6/2006، أسر الجندي جلعاد شاليط، وأدى لاحقاً إلى تحرير 1027 أسيراً فلسطينياً على دفعتين.
16/7/2008، تحرير أربعة أسرى لحزب الله، إضافة إلى سمير القنطار، مقابل جثتين لجنديين إسرائيليين أسرهما الحزب.