الحسكة | عاد التوتّر إلى أرياف دير الزور الخاضعة لسيطرة «قسد»، ما دفع هذه المنطقة إلى واجهة الأحداث مجدّداً، بخاصة بعد ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية، وانتقالها من الأرياف الغربية إلى الشرقية، وتطوّرها لاحقاً إلى قطع للطرقات الرئيسة، ومنعٍ لقوافل النفط من المرور. ولطالما شهدت هذه الأرياف احتجاجات انتهت غالباً بتدخّل أميركي لإبرام اتفاق، تتعهّد «قسد» بموجبه بتحسين الأوضاع الخدمية والإنسانية، وإشراك العشائر العربية في إدارة شؤونهم، وعدم تركيز القرار بيد الشخصيات الكردية. وتُكرّر واشنطن نصيحتها لـ«قسد» بضرورة منح أبناء العشائر العربية المنخرطين في مجالسها العسكرية والأمنية، صلاحيّات واسعة، لضمان قدرتها على حُكم المنطقة، بما يمنع عودة «داعش» إليها، ويقف عثرة أمام استعادة الدولة السورية سيادتها عليها، إلّا أن كلّ تلك النصائح لم تلقَ لدى «قسد» آذاناً صاغية. وعلى رغم تشكيل الأخيرة مجالس محلّية في عدّة مناطق في أرياف دير الزور الشرقية والشمالية والغربية، إلا أن الأهالي يرَون في هذه المجالس واجهةً فقط، لقيادات كردية هي مَن تدير الأمور عملياً، الأمر الذي خلق أزمة ثقة واسعة بين الطرفين، لم تستطع «قسد» ردمها، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على دخولها المنطقة. ويتّهم وجهاء العشائر، في مختلف الاجتماعات والمجالس، قيادة «قسد» بالاعتماد على شخصيات مغمورة ومرفوضة اجتماعياً، وتعيينهم في مناصب صُورية، مقابل مكاسب شخصية لهم. وجاء لجوء «قسد» إلى هذه الشخصيات، بعد فشلها عملياً في استمالة الشيوخ والوجهاء الوازنين، لرفضهم أساساً وجودها، أو لاقتناعهم باستحالة منحهم أيّ صلاحيات مدنية وعسكرية، وهو ما دفعهم إلى الابتعاد عن تقلّد أيّ مهمّة في المجالس المذكورة.
تعيّن «قسد» كوادر من الحزب الكردي كمسؤولين في دير الزور، بعضهم لا يحمل حتى الجنسية السورية


وخلال اليومين الماضيين، خرج سكّان عدّة قرى وبلدات في ريف دير الزور الغربي للتظاهر، بعد إجبار أحد كوادر «الحزب» كما يطلق عليه السكان، في إشارة إلى «حزب الاتحاد الديموقراطي PYD»، مسؤول «هيئة الاقتصاد في مجلس دير الزور المحلي»، على توقيع قرار بتعيين أحد المقرّبين منه كـ«مسؤول عن المحروقات»، ما دفع الأهالي إلى قطع الطرقات للمطالبة بطرد هذا القيادي من منطقتهم. وسرعان ما امتدّت الاحتجاجات إلى الريف الشرقي، وسط شعارات تطالب بتحسين الأوضاع الخدمية والاقتصادية، وإلغاء «بطاقة وافد» التي فرضتها "قسد" على أهالي دير الزور القاطنين في الحسكة. كذلك، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصوّرة لعدد من وجهاء العشائر، يهدّدون فيها بإعلان الإضراب العام، في حال استمرّ التجاهل لمطالب الأهالي، ما دفع بـ«قسد» إلى استقدام تعزيزات عسكرية جديدة إلى المنطقة.
وتوضح مصادر عشائرية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الاحتجاجات هي بشكل رئيس ضدّ تعمّد قيادة قسد تعيين كوادر من الحزب الكردي كمسؤولين في دير الزور، بعضهم لا يحمل حتى الجنسية السورية، والاستمرار في تهميش وجهاء وشيوخ العشائر، وعدم إشراكهم في القرارات التي تخصّ مناطقهم»، لافتة إلى أن «القرى والبلدات التي تعوم على بحر من النفط في دير الزور، لا تصلها المحروقات، ما يهدّد بتلف المحاصيل الزراعية، ويعطّل الحياة العامة، في ظلّ عدم توافر الكهرباء». وتضيف المصادر أن «الأهالي يشعرون بالغبن في ظلّ عدم توافر الخبز والمحروقات والمستشفيات، فيما تحضر هذه الخدمات بشكل مقبول في عين العرب والمناطق ذات الوجود الكردي»، متابعة أن «كلّ وعود التحالف بتغيير واقع الحال في ريف دير الزور، ومنح صلاحيات إدارية وعسكرية لأبناء المنطقة، لم تنفّذ، والأمور تتّجه نحو الأسوأ». وتطالب المصادر «قسد» بـ«الإصغاء إلى الناس، وعدم احتكار القرار السياسي والعسكري، والكفّ عن تقديم شخصيات مغمورة على أنهم وجهاء وشيوخ عشائر»، مشيرة إلى أن «غالبية السكان لا يريدون اضطرابات جديدة في منطقتهم، لكن إذا وصل الأمر إلى الكرامة ولقمة العيش، ولم تُسمع مطالبهم، فإن التظاهرات ستستمرّ وتتطوّر».