جنين | قبيل منتصف ليل أمس، عمد مقاوِمون الى إطلاق النار وإلقاء قنبلة يدوية الصنع، باتجاه حاجز الجلمة التابع لجيش العدو، قرب جنين. تلت ذلك تدريبات لما تُعرف بـ«وحدة الإرباك الليلي» الفلسطينية، تخلّلها إلقاء مجموعة كبيرة من القنابل المحلية الصنع. في غضون ذلك، مع عودة الحافلات والمركبات التي تُقلّ فلسطينيين عائدين من المسجد الأقصى الى منطقة جنين، كانت تسع مركبات وشاحنات تجارية ومدنيّة، بلوحات تسجيل فلسطينية، تحمل جنوداً ومعدّات عسكرية، تتسلّل إلى داخل مدينة جنين ومخيّمها، مستغلّةً الازدحام المروري وحركة السير الكثيفة، بحكم عودة الفلسطينيين من إحياء ذكرى «الإسراء والمعراج» في القدس. توزّعت القوة المعادية الداخلة إلى جنين على قسمين: الأول، مؤلَّف من القنّاصة وقوة «يمام» الخاصة، الذين انتشروا على سطوح المباني، وبعض الأزقة في مخيم جنين ومحيطه؛ فيما كان القسم الثاني ينفِّذ عملية اقتحام لمنزل عائلة الأسير جمال أبو الهيجا، ويعتقل نجله عماد الدين.
ورغم أنّ الاقتحام كان مفاجئاً، وشكّل صدمة عند المقاومين، إلّا أنّهم سرعان ما تداركوا الأمر، واستعدّوا لخوض اشتباكات مسلّحة مع جيش العدو وقواته الخاصة، والتي أدّت إلى استشهاد عبد الله الحصري (22 عاماً)، في أول الاشتباك، وهو من كوادر حركة «الجهاد الإسلامي». بعدها بدقائق، ارتقى الشاب شادي نجم (19 عاماً)، وهو من حركة «فتح»، ورغم أنه ليس «مُطارداً»، إلّا أنّه تقدّم المواجهة لصدّ الاقتحام الإسرائيلي. ويقول طلال الحصري، شقيق الشهيد عبد الله، إنه كان وأخوه يجلسان في مقهى في المخيم، حين وصل خبر الاقتحام، فأصرّ الشهيد عبد الله على أن ينطلق بمركبته باتجاه القوة الإسرائيلية المقتحِمة، و«ما إن تمركز وأطلق النار، حتى عاجله قنّاص إسرائيلي بالرصاص فارتقى شهيداً»، وفق الحصري.
وبحسب مصادر محلية من داخل جنين، فإنّ استشهاد عبد الله أحمد الحصري، أثار حالة من الغليان في المدينة ومخيمها، حيث اندلعت اشتباكات مسلّحة هي الأعنف منذ عدّة أشهر، وتوزّعت على عدة أحياء ومناطق مختلفة، كحي الزهراء وشارع الناصرة ومحطّة عرابة ومحيط مستشفى ابن سينا.
ويعدّ عبد الله الحصري، من المطاردين المطلوبين للعدو، وهو أحد قادة «كتيبة جنين» التابعة لـ«سرايا القدس»، وقد خاض سلسلة من الاشتباكات المسلّحة في العامين الأخيرين. ورغم أنه اعتُقل، وأُفرج عنه قبل عدة أشهر من سجون العدو، إلّا أنّه عاد مباشرة إلى ساحات المقاومة، وعمِل على سدّ الفراغ الذي تركه غياب الشهيد جميل العموري في «كتيبة جنين». وكان الظهور الأخير للشهيد الحصري، في بيان ألقاه شخصياً قبل يومين، عندما تعرّض القيادي في «الجهاد» خضر عدنان لإطلاق نار في نابلس. فقد خرجت «كتيبة جنين» في مؤتمر صحافي قدّمه الحصري نفسه، بحضور عدنان، قال فيه: «سنحتسب ما جرى عند الله وسنغفر للأيدي التي امتدّت على الشيخ خضر بسوء في ساعة الغضب". وأضاف إنّ "القبضة الطاهرة التي تحمل السلاح بوجه العدو الإسرائيلي لا ينبغي أن ترفع سلاحها ضدّ ابن الشعب، وهذا صعب علينا لكننا سنكظم غيظنا، ولا نردّ الإساءة بالإساءة في وقت المواجهة مع العدو». ومن الجدير ذكره أيضاً، أنّ الحصري كان مطلوباً لأجهزة أمن السلطة حتى تاريخ استشهاده.
أكّد المقاومون في جنين استمرار الاشتباكات مع العدو وتوسعة «دائرة النار»


صباح أمس، وبعد ساعات على انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية، خرجت «كتيبة جنين» في مؤتمر صحافي، أكّدت فيه «استمرار المواجهة مع جيش العدو». وقال المقاومون، في بيانهم، إنّ العدو «ذاق منّا الويل، عندما دخل المخيم فجراً وسنعلن عن التفاصيل لاحقاً». كما أشاروا إلى أنّ قوات العدو وحواجزه ودورياته العسكرية «لم تعُد، ولن تكون بأمان وسيرى ذلك».
وبعد تشييع الشهيدين بساعات، تعرّضت قوة عسكرية إسرائيلية لإطلاق نار قرب قرية العرقة قضاء جنين. ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة، أنّ المقاومين وسّعوا «دائرة النار» وابتعدوا تدريجياً عن الحواجز الرئيسية المحيطة بجنين، لتشمل جدار الفصل العنصري في قرى جنين، كما بدأوا بالهجوم على أهداف إسرائيلية، بدلاً من انتظار اقتحامات العدو. ولم تنجح كلّ محاولات اجتثاث ظاهرة «الاشتباك» المسلّح من جنين، أخيراً، رغم تلقّي المقاومين سلسلة من الضربات على يد جيش العدو وأمن السلطة، حيث استشهد عدد منهم واعتقل آخرون. لكن اللافت، اليوم، هو وجود عدد كبير من المطارَدين الذين لا يزالون طُلقاء رغم كلّ الملاحقات، وعدد آخر من المقاومين المسلّحين الذين خرجوا ملثّمين في جنازة الشهيدين الحصري ونجم، علماً بأنّ عدد المطلوبين لجيش العدو في محافظة جنين حالياً، يتجاوز 12 مسلحاً، وهو عدد كبير في ظلّ الملاحقة الأمنية المستمرة.
على صعيد موازٍ، كشفت مصادر محلية عن محاولة إسرائيلية فاشلة لاغتيال المطارَد إبراهيم النابلسي، من «كتائب شهداء الأقصى»، في نابلس أمس. فقد أظهر مقطع فيديو تداوله ناشطون فلسطينيون، أربعة مستعربين بملابس مدنية، يتجوّلون داخل البلدة القديمة في نابلس، ثم سارعوا الى مغادرة المكان، بعد اكتشافهم. وتأتي هذه المحاولة الفاشلة بعد عمليتَي إطلاق نار استهدفتا نقطة عسكرية إسرائيلية على قمة جبل جرزيم في نابلس خلال يومين متتاليين.



على جرْي عادتها... السلطة شريكة في قتل المقاومين


تفيد مصادر فلسطينية مطّلعة، «الأخبار»، بأن العملية الإسرائيلية في مخيم جنين، جرت بتنسيق بين قوات الاحتلال والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، والتي كانت فشلت في الأسابيع الأخيرة في تنفيذ عمليات اعتقال مقاومين في المخيم. وعلى خلفية هذا الفشل، نقلت السلطة إلى الاحتلال معلومات مفصّلة حول أماكن تواجد الشبان المقاومين، وانتماءاتهم التنظيمية، ونوعية السلاح الذي يحملونه، وخصوصاً منهم عماد الدين أبو الهيجا من حركة «حماس». ويأتي ذلك في إطار «اتفاق تعاون» بين الطرفين جرى التوصّل إليه خلال الأشهر الماضية، لإنهاء «الحالة العسكرية» في جنين. وخلال الفترة الأخيرة، استطاع الاحتلال اعتقال أو اغتيال العديد من المقاومين المدرَجة أسماؤهم ضمن القائمة التي سلّمتها السلطة لقوات العدو.
وفي الإطار نفسه، أشارت «القناة 12» العبرية إلى أن جيش الاحتلال عزّز من عملياته العسكرية في جنين خلال الأيام الماضية، بعد فترة طويلة من منحه السلطة الفرصة للقيام بمهامّها في اعتقال الناشطين الفلسطينيين في المخيم، منذ خريف العام الفائت.
من جهتها، اعتبرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن قوات الأمن التابعة للسلطة فقدت السيطرة على جنين، إذ باتت تنتهي جميع عمليات الجيش الإسرائيلي بالاحتكاك الشديد، وإطلاق النار الحيّ على قواته.
(الأخبار)