تتنوع أشكال المقاومة. فالمقاومة لا تكون بالسلاح فقط. فـ«الموقف سلاح» أيضاً، كما الروح. وما دام فيك نبضٌ يقاوم، يظلُ احتمال انتصارك قائماً، لأنك ما زلت مصمماً على القتال للحصول على حقك. هي حكايةُ شاب فلسطيني مقاوم، تعرض لضغوط شديدة للغاية وقد يسجن سنين طوالاً لمجرد أنه قال: «لا» وقاوم. «أنا عمر زهر الدين محمد سعد، لن أكون وقوداً لنارِ حربِكم، ولن أكون جندياً في جيشكم». بهذه الكلمات خاطب الشاب الفلسطيني عمر سعد من قرية المغار في الجليل رئيس حكومة الكيان الصهيوني وجيش العدو. وأعلن في رسالةٍ أمام الملأ رفضه الخدمة الإلزامية في جيش العدو. سعد الذي ينتمي إلى الطائفة الدرزية هو من فلسطينيي 1948، يعاني الأمرّين. يريدون من الفنان الرقيق الذي يعزف على آلة الكمان أن يصبح سجاناً لأبناء شعبه. يريدون منه أن يصبح «مجرماً» يفتك بأبناء جلدته لمجرد أن دولة الكيان تريده هكذا. رفض الشاب الشجاع، الفنان الرقيق، ولهذا يتعرض اليوم للمحاكمة. عمر ليس وحيداً في تلك المعركة، فهناك عروة سيف من حيفا أيضاً، وغيره كثيرون. لكن القوى الأمنية والجيش في الكيان الصهيوني تعرف تماماً كيف تضرب تحت الحزام. يأتي التضييق على عمر بشتى الوسائل. يسجن ساعةً، ويتعرض للإهمال الطبي في السجن فينقل على حمالةٍ إلى المستشفى، وأخيراً يتم منعه من مغادرة البلاد للمشاركة في مهرجان بلفورت للموسيقى في فرنسا مع إخوته غاندي ومصطفى وطيبة، تحت حجّة أنه مطلوبٌ للجندية.

منع سعد من المشاركة في مهرجان بلفورت للموسيقى

هي الخدعة الصهيونية التقليدية للقول إن «الدروز» أقلية وإنهم ليسوا عرباً، وإن ما يسري عليهم لا يسري على العرب. هي لعبةُ فرّق تسد، «أنتم لستم عرباً» كما كانت تصرّ رئيسة وزراء الكيان السابقة «غولدا مائير» على القول عند مخاطبة «الدروز». لكن دروز فلسطين، كما دروز الجولان المحتل، أثبتوا أكثر من مرة أنهم عربٌ أقحاح، وأنهم أحفاد سلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط، وأن الكيان الصهيوني هو عدوٌ عابر وسيرحل عن أرض فلسطين عاجلاً أو آجلاً. هي ليست المرة الأولى التي يرفض فيها شبانٌ فلسطينيون من الطائفة الدرزية الخدمة الإلزامية العسكرية التي يصرّ الصهاينة على إدخالهم فيها. فكما هو معروف، فإن الخدمة العسكرية إجبارية على كل مواطنٍ في دولة الكيان، ويحرم منها أبناء العرب عادةً إلا بشروطٍ خاصة للغاية (ما عدا الطائفة الدرزية كما أشرنا). حكاية رفض الخدمة هي حكايةٌ مريرة ومستمرة. فمنذ عام 1962 حينما رفض الشاب عاصم الخطيب تسلم طلب استدعائه للخدمة الإلزامية، وأصرّ على عدم الانضمام إلى جيش الكيان المحتل، يومها قامت الدنيا ولم تقعد. عاصم قدّم يومها عريضة تضم أكثر من 45 توقيعاً لشبان عرب يرفضون تجنيدهم في جيش المحتل. يذكر أن الدولة العبرية تتعامل مع دروز فلسطين بمنطق غريب: يهودٌ في الواجبات، عربٌ في الحقوق؛ فمناطقهم هي الأفقر، ونسبة التعليم العالي بينهم هي الأقل بالمقارنة مع مثيلاتها من المناطق في الكيان، فضلاً عن مصادرة أراضيهم، ومنع رخص البناء عنهم، وفوق كل هذا إجبارهم على الخدمة العسكرية والمدنية. ما يحلم به عمر يختلف عما تحلم به دولة الصهاينة: فهي تريد من الدروز الفلسطينيين تشكيل درعٍ لجنودها، هكذا لا يموت أي صهيوني وبأي طريقةٍ كانت، والذي يموت هو من الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، هنا لا ضررٌ ولا ضرار بالنسبة إلى الصهيوني. يعرف عمر وإخوته والشبان من قبله وبعده الأمر جيداً، ويفهمونه، لذلك كانت جملة عمر الشهيرة إبان إضراب الأسرى المستمر منذ أكثر من خمسين يوماً: أرفض أن أكون سجّاناً لأبناء شعبي وهم أسرى حق وحرية.