أطلقت الحكومة السورية برنامج «تشغيل الخريجين الشباب» خلال عام 2011 بعد اندلاع الاحتجاجات في بعض المحافظات. كان الهدف الحدّ من البطالة التي تفاقمت في سوريا، ووصلت نسبتها إلى 30% خلال عام 2012، بينما لم تكن تتجاوز 8.4% في 2010، واستيعاب أكبر عدد ممكن من الخريجين الجامعيين في الوظائف الحكومية.
إذ بلغ عدد الوافدين إلى سوق العمل في سوريا بعد عام 2010 حوالى 300 ألف وافد، بينما يُقدر استيعاب الوظائف في القطاع العام بنحو 75 ألف فرصة عمل سنوياً، حسب أرقام «مكتب الإحصاء المركزي».
ووسّعت الحكومة برنامج تشغيل الخريجين الشباب ليشمل لاحقاً حملة الشهادات المتوسطة والثانوية. وخصّت محافظة الرقة بـ 1439 فرصة عمل عام 2011، وتضاعف العدد عام 2012 الى 4118 فرصة عمل موزعة على مختلف القطاعات.
لكن فرحة الرقيّين لم تدم طويلاً، فلم يمض سوى عام واحد على تعيينهم في الوظائف الحكومية، حتى أصدرت رئاسة مجلس الوزراء قراراً بفصلهم جميعاً بذريعة «عدم الحاجة وضبط الإنفاق»، حسب ما جاء في نص القرار.
بحرقة، يسأل الحقوقي محمد شاهين، «من أين سنعيش الآن، هل توقفت ميزانية سوريا على رواتبنا؟ نحن لم نتاجر بالدم السوري، ولا حتى بالنفط، ولم نحمل سلاحاً في وجه الدولة، كل ما نريده أن نعيش بكرامتنا».
ولا يتجاوز راتب الموظف من الفئة الأولى 17000 ليرة سورية شهرياً، ما يُعادل 100 دولار أميركي، أما راتب الموظف من الفئة الثالثة فلا يتعدى 70 دولاراً. وهذا المبلغ لا يكفي أسرة مكونة من شخصين لعشرة أيام، في ظل ارتفاع الأسعار الذي تشهده محافظة الرقة.

عملت جهات
معارضة على استقطاب الشباب المفصولين
من وظائفهم


يروي المهندس الشاب علاء هاشم لـ«الأخبار»، وهو أحد المفصولين، «لم نفرح بالتعيين. بعد نجاحنا في المسابقة بشهرين، سقطت الرقة، ولم نكن نتوقع أن نُفصل تعسفياً بهذا الشكل، كان بإمكان الحكومة خفض نفقاتها من قسائم البنزين الخاصة بسيارات المسؤولين وليس من قوت أطفالنا».
بعد انقضاء العام الأول على تعيين الموظفين، لم يكن تجديد عقودهم متاحاً في بداية 2014. جاء رد الحكومة حينها أنّ «الرقة بلا محافظ، والعقود تحتاج إلى توقيع من المحافظ، انتظروا تعيين محافظ، أو فك أسر المحافظ الحالي».
أثار هذا الرد حفيظة الموظفين، لتشكّل الحكومة حينها لجنة لتتابع المسألة، وبعد ثلاثة أشهر جاء القرار بالفصل.

بطالة مقنعة

في الواقع، لم تكن بعض المؤسسات والدوائر الرسمية بحاجة فعلية إلى هذه الأعداد من الموظفين، إلا أن رؤية الحكومة كانت بضرورة استيعاب الطاقات الشابة وزجها في «سوق العمل». إذاً، كان برنامج تشغيل الشباب أساساً شكلاً من أشكال «البطالة المقنعة». ويقول عبود الطعان، وهو من أبناء محافظة الرقة لـ«الأخبار»: «إن الشباب الذين جرى رميهم في الشارع في هذه الظروف السيئة، ألم تفكر الحكومة بالجهة التي من الممكن أن تستدرجهم أو الأساليب التي يُمكن أن يتبعوها لتأمين معيشة أسرهم؟».
وتعيش آلاف الأسر بكفاف يومها على هذا الراتب البسيط، حتى عندما يحاجج مؤيدو الدولة المعارضين، يقولون لهم: «النظام لم يقطع الرواتب عن الناس خلال عام مضى، وهذا يكفي». وقد تناقلت صفحات المعارضة خبر فصل الموظفين، و«أصبحت حجتهم أقوى اليوم»، برأي الطعان. ورغم أن قرار الفصل صدر قبل الانتخابات الرئاسية بأسبوعين، إلا أنه لم يُعلن عنه إلا بعد انتهاء الاستحقاق الانتخابي ... «لا يُمكن إخفاء الحقيقة هنا، كان القرار بمثابة صاعقة فوق رؤوس مؤيدي النظام»، يضيف.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها في محافظة الرقة، فقد فصلت المؤسسات الحكومية في بداية 2013 نحو 2000 عامل متعاقدين مع ثلاث شركات إنتاجية عامة، هي: «المشاريع المائية»، «محلج الأقطان» و«الإسكان العسكري». جاء هذا القرار قبل سقوط محافظة الرقة بحوالى شهر تقريباً.
حينها، احتشد العمال في ساحة المحافظة وعلت هتافاتهم المطالبة بحفظ كرامتهم وإعادتهم إلى عملهم. ورداً على محاولتهم مقابلة المحافظ، أطلق عناصر مفرزة المحافظة الرصاص الحي في الهواء لتفريقهم. ردّ، حينها، محافظ الرقة حسن جلالي (المأسور عند «داعش» حتى الآن) بالقول: «أنتم وقّعتم عقود عمل مع الدولة لمدة سنة، وانتهت السنة، بالقانون لا حق لكم عندنا»، علماً بأن بعضهم تجاوزت مدة تعيينه 12 سنة.
أما أمين فرع حزب البعث سليمان سليمان (المأسور عند «داعش» أيضاً) فاقترح عليهم: «نعينكم بعقود سنوية في الدفاع الوطني، وتحملون السلاح وتواجهون المتمردين». أغاظت هذه الردود حفيظة العمال وهتفوا بصوت غاضب: «الشعب يريد إسقاط المحافظ».

رواتب المعارضة

عملت جهات عدة تابعة لـ«قوى المعارضة» في محافظة الرقة خلال السنة الفائتة على استقطاب الشباب المفصولين من وظائفهم، وخصصت لهم رواتب شهرية.
أما الحكومة السورية، فقد قطعت رواتب موظفي شركة كهرباء محافظة الرقة دون غيرهم، بحجة تعاونهم مع «المجموعات المسلحة». ينفي عمال شركة الكهرباء هذه التهمة، ويقولون إنّ عملهم «يأتي في سياق حرصهم على تأمين الطاقة الكهربائية للمواطنين كواجب إنساني وأخلاقي، لا علاقة له بجهة بعينها». كذلك رفض عمال شركة الكهرباء أن يقبضوا المال من «الائتلاف» المعارض أو أي جهة أخرى غير وزارتهم الرسمية.

لجنة تظلّم

في نهاية المطاف، وجهت محافظة الرقة نداءً إنسانياً إلى الحكومة السورية، لحماية عوائل هؤلاء الموظفين من الاستغلال والرأفة بأطفالهم، وجرى تشكيل لجنة ثلاثية جديدة لتقديم اقتراحات لإيجاد حلول مناسبة لمشكلة المفصولين. ويقول مدير التأهيل والتدريب في محافظة الرقة، المهندس علي العدهان، لـ«الأخبار»: «تم تشكيل لجنة ثلاثية من وزارات المال والإدارة المحلية والعمل، وتم تجهيز محضر من 26 بنداً، أهمها اقتراح تجديد عقود الموظفين المفصولين، ونأمل أن يتم ذلك».
ينتظر الآن حوالى 4700 موظف من أبناء الرقة قراراً حكومياً يلغي القرار السابق، وكذلك ينتظر نحو 2000 عامل إعادتهم إلى مؤسساتهم، وينتظر عمال شركة الكهرباء إعادة صرف رواتبهم المتوقفة منذ عام.
فهل تنصف الحكومة السورية أبناء الرقة؟