بغداد | على رغم أن أحداً لا يتوقّع أن تَقبل حكومة إقليم كردستان حُكم المحكمة الاتحادية بتسليم بغداد كامل إنتاج النفط والغاز في الإقليم، إلّا أن صدور الحُكم في حدّ ذاته، يكتسي أهمية؛ كونه يضع في خانة الخروج على القانون كلّ ما تقوم به حكومة الإقليم من استغلال «الاستقلال» الاقتصادي النسبي الناجم عن تهريب النفط والغاز عبر تركيا، من أجل تحويله إلى استقلال سياسي يبدو مستحيلاً في تلك المنطقة. الاتفاقات الجانبية مع تركيا لتهريب النفط والغاز، تُمثّل العصب الرئيس لتَحكُّم آل بارزاني بكردستان، وإنْ وفق صيغة الاقتسام مع «الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي يبدو أنه لا ينال من الجَمل سوى أُذنه. وفي أساس تلك الاتفاقات، التزم «الحزب الديموقراطي الكردستاني» الذي يتزعّمه مسعود بارزاني، بكبح نشاط «حزب العمال الكردستاني» انطلاقاً من الإقليم، وغضّ النظر عن الاعتداءات العسكرية التركية في شمال العراق، مقابل المنافع الاقتصادية لآل بارزاني، ووقوف أنقرة إلى جانبهم في صراعاتهم، سواءً مع حكومة بغداد أو مع «الاتحاد الوطني».ولهذا السبب، ولسبب آخر أكثر تأثيراً هو الضمانة الأميركية للحُكم الذاتي لكردستان ولعملية التهريب، فضلاً عن علاقة آل بارزاني بإسرائيل والتي يُعتبر الجانب النفطي عنصراً أساسياً فيها، لن يكون سهلاً تطبيق حُكم «الاتحادية» الذي يقضي بإلغاء قانون حول النفط أقرّه برلمان الإقليم عام 2007 لعدم دستوريّته، إلّا إذا نشأت في العراق سلطة قادرة على إنفاذه. وليس هذا هو الوضع حالياً، في ظلّ الصراعات على السلطة في العاصمة العراقية، وكسْب «الحزب الديموقراطي» نقاطاً على «الاتحاد الوطني» بفوزه بالعدد الأكبر من النواب الأكراد في انتخابات مجلس النواب العراقي. وفي هذا الإطار، يلفت النائب المستقلّ عن النجف، هادي السلامي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الذي تَعوّدنا عليه في الماضي هو أن الأكراد لن يلتزموا بالدستور ولا بالقوانين، وهم حقيقةً دولة وحدهم، لا يعترفون أصلاً بالعراق والحكومة الاتحادية، ولديهم سوابق في عدم الالتزام وعدم الرضوخ، ولديهم رؤى انفصالية طبعاً»، ويضيف أنهم «تعوّدوا على الانفصال وتهريب النفط والغاز والاستيلاء على الأراضي وعدم تسكير المنافذ والفساد المستشرى في حكومة الإقليم»، متوقّعاً «مُضيّهم في سياستهم بعدم احترام الآخر، والسبب يعود إلى الأحزاب الحاكمة الفاسدة في كردستان».
ينتج إقليم كردستان نحو 450 ألف برميل يومياً من النفط، كان قد تعهّد بتسليم 250 ألفاً منها إلى الحكومة الاتحادية


من جهته، يشدّد القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، محمود خوشناو، في تصريح إلى «الأخبار»، على أن «المسار القضائي في العراق يجب أن يُحترم، والعلاقة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان يجب أن تصل إلى مستواها الدستوري، ويجب أن يكون هناك تقارب في وجهات النظر، و أن تُحلّ جميع القضايا الدستورية العالقة، وليس فقط المادّتين 111 و112 المتعلّقتَين بالنفط». وعلى رغم اقتسام السلطة بين الحزبَين الكرديَين في الإقليم، إلّا أن «الاتحاد» هو الطرف الأضعف، وذو المصلحة الأكبر في العلاقة مع بغداد. ولذا، يرى خوشناو أن «ملفّ الطاقة يجب أن يكون عليه توافق بين بغداد والإقليم، وأن يتمّ الذهاب إلى خطوات عملية، وتشريع قانون النفط والغاز وفق المادة 112 من الدستور حتى لا يكون هناك التباس حول المادة 111»، مضيفاً أن «هذه الأمور يجب أن تنتهي بحلول جذرية، وليس بحلول ترقيعية». ويستدرك بأن «هناك ملفّات أخرى كبيرة عالقة، منها على سبيل المثال المادة 140»، معتبراً أنه «يجب أن لا نكون انتقائيين، وأن ننتهي من جميع الملفّات بطرق دستورية، بما فيها ملفّ الطاقة». ويضيف أن حزبه «يحثّ حكومة إقليم كردستان على أن تلتزم بالقرارات، كما نحثّ بغداد أيضاً على أن تلتزم بالمواد الدستورية. فلا يجوز أن يكون هناك التزام من طرف واحد». وعن دور محتمل لـ«الاتحاد» في هذا الشأن، يقول خوشناو: «تعلمون أن رئيس الوفد التفاوضي لموازنة 2020 - 2021 كان قوباد طالباني، وهو نائب رئيس حكومة الإقليم وعضو مكتب سياسي في الاتحاد الوطني ونجل الرئيس الراحل جلال طالباني. لذلك، كان له دور كبير في تقريب وجهات النظر لإنهاء هذه المسافة الرمادية بين الطرفين، ونعتقد أنه في الأيام المقبلة ستكون هناك حوارات جادّة أكثر في هذا الموضوع».
وينتج إقليم كردستان نحو 450 ألف برميل يومياً من النفط، كان قد تعهّد بتسليم 250 ألفاً منها إلى الحكومة الاتحادية، مقابل حصوله على 12.6 في المئة من الميزانية المالية للدولة، بناءً على اتفاق أُبرم بين الجانبَين العام الماضي. ويقوم الإقليم بتصدير الباقي لتكريره في ميناء جيهان التركي عبر خطّ أنابيب من كركوك، ثمّ بيعه، لكن ثمّة عملية تهريب للنفط والغاز تجري بعيداً من أعين السلطات الاتحادية، وتستفيد من عائداتها سلطات الإقليم وحدها وشركاؤها الخارجيون، وعلى رأسهم تركيا.