تعيش تونس منذ ثورة 2011، التي أطاحت الرئيس السابق زين العابدين بن علي، أزمة اقتصادية واجتماعية هي الأسوأ منذ عقود. الحكومات المتعاقبة عاجزة عن إجراء إصلاحات هيكلية، وإقرار خطة تنموية واجتماعية، من شأنها إنعاش الاقتصاد المتدهور.
إزاء ذلك، لم تنقطع موجات الاحتجاجات الاجتماعية في البلاد، منذ خمس سنوات، إذ يطالب الشباب بتأمين فرص عمل، وتحسين الأوضاع ومقاومة الفساد. وآخر الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، طوال الأسبوع الماضي،
تلك التي تزايدت وهزّت أركان السلطة، وجعلت الحكومة تتدخل بسرعة وتعلن جملة من الإجراءات السريعة لمصلحة أبناء القصرين، وبقية الشباب المحتجين في مختلف مناطق تونس. ومنها انتداب (تشغيل) خمسة آلاف متعطل عن العمل، وانتداب 1400 متعطل ضمن الآلية 16 المخصصة للعملة، وإحداث 500 مشروع صغير ممولة من «البنك الوطني للتضامن»، بكلفة ستة ملايين دينار تونسي.
لن يكون الوضع الاقتصادي هذا العام بأفضل من 2015 مع دخول البلاد الانكماش الاقتصادي

كذلك تقرر تحويل الأراضي الاشتراكية (الحكومية) إلى أراضٍ خاصة في مدة لا تتجاوز نهاية آذار المقبل، بالإضافة إلى إنجاز تسعة مشاريع برأس مال قيمته 150 ألف دينار تونسي، وذلك للعناية بالطرقات والجسور والبنية التحتية في القصرين.
يرى الخبير الاقتصادي، مراد الحطّاب، أن الإجراءات المتخذة «غير واضحة المعالم، وتفتقر إلى الدقة على مستوى سبل تنفيذها وانعكاساتها، في غياب رؤية واضحة للتمويل الإنمائي».
وفيما أكّد رئيس الحكومة، الحبيب الصيّد، إثر اجتماع الحكومة الطارئ نهاية الأسبوع الماضي، أن حكومته «واعية تماماً لحجم المصاعب الاقتصادية التي تعانيها البلاد»، وأنها تنكب على إيجاد حلول للشبان، يرى الحطاب أن «أصحاب القرار لا يمتلكون مقاربة واضحة في مجال فهم ظاهرة الفقر الجهوي، وكيفية التصرف في الموارد الخاصة بالمناطق».
وأشار الحطاب إلى أن «تواصل الأزمات المالية سينعكس على الوضع الاجتماعي وسيحيل فئات كبرى من المجتمع على الفوارق، جهوياً وطبقياً، ما قد يتسبب باشتداد موجة الفقر ونقص التشغيل وتواصل الاحتجاجات».
وكشفت الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة عن ارتباك الحكومة في طرق التعامل معها، وخطورة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد، فقد تبين ارتفاع نسب البطالة، لتبلغ 15.3% في 2015.
وكان البنك المركزي قد دقّ ناقوس الخطر من الانكماش نهاية العام الماضي، محذراً من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، ومن انزلاقها إلى مرحلة الإفلاس بعدما تراجعت نسبة الناتج المحلي إلى 0.7% سلبياً، نتيجة ضعف أداء أهم القطاعات، في مقدمها القطاع الصناعي والتجاري، إضافة إلى تراجع أداء القطاع السياحي إثر الهجمات الإرهابية التي طاولت مواقع سياحية عدة، السنة الماضية.
وتشهد القطاعات الحيوية، على مستوى الأسواق المالية والمنظومة التمويلية، عجزاً يقدر بثلاثة مليارات دولار. كذلك، تشهد سوق العمل اختلالاً واسعاً، بين العرض والطلب، نتيجة تباطؤ نسق الاستهلاك وضعف الإنتاج، وتفشّي معضلتي الاقتصاد غير المهيكل والفساد.
ويتصف الوضع الاقتصادي التونسي بـ«انكماش حاد» على مستوى خلق القيمة المضافة وتكوين رأس المال الثابت (الادخار)، ما تسبب بتفاقم العجز المالي الذي بلغ حجمه 4% من ميزانية الدولة الإجمالي، وفق الحطاب.
بدوره، أكّد رئيس «معهد التوقعات الاقتصادية»، راضي المدب، أن الوضع الاقتصادي خلال العالم الجاري سيكون أصعب مما كان عليه في 2015، وخصوصاً بعد إعلان البنك المركزي دخول البلاد مرحلة الانكماش الاقتصادي.
ويتمثل هذا الانكماش في التراجع المتواصل لنسب النمو، التي بلغت أقل من 1% نهاية 2015، مع تراجع نسق الاستثمار والإنتاجية في قطاعي الصناعة والسياحة. ويشدد المدب على أن الخروج من حالة الانكماش الاقتصادي يتطلب تغييرات جوهرية وهيكلية، وأيضاً وضوحاً للرؤية وإرادة سياسية قوية للإصلاح.