يأتي اتصال الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير بالرئيس المصري المنتخب عبد الفتاح السيسي، لتأكيد «التزام الولايات المتحدة بشراكة استراتيجية مع مصر»، في الوقت الذي تعلو فيه الأصوات في أميركا مطالبة بتحديد العلاقة بين البلدين، بما يتناسب مع الوضع «غير المستقر» في أرض الكنانة، في ظل الحكم الجديد.
ولكن، لا بدّ للولايات المتحدة من أن تجد لنفسها مكاناً وسط التغيرات الحاصلة في مصر. فانتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً، يمكن أن يشكّل فرصة لها لإعادة تمركزها بما يتناسب مع التطورات الأخيرة، بعيداً عن موقفها المتمثل بعدم تقبل ما تقبله الشارع المصري.
لذا، فإن تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما سابقاً في أكاديمية وست بونت العسكرية، بأن بلاده «لم توقف تعاونها مع الحكومة المصرية الجديدة، ولكنها ستواصل الضغط عليها لتنفيذ الإصلاحات التي طالب بها الشعب المصري»، كان خير دليل على أن الولايات المتحدة تستغل الوقت، لتُبلور الصورة التي يجب أن تظهر من خلالها في مصر، في ظل حكم السيسي. من هنا، يرى محللون أميركيون أن وقوف واشنطن «صامتة» أمام انتخاب السيسي، هو علامة رضى على ما يجري في مصر، بينما يعتبر آخرون، أن الولايات المتحدة وجدت نفسها في مأزق الاختيار بين النظريات التي تروّج لها والمتمثلة بالديموقراطية وحقوق الإنسان والحرية، في مقابل مصالحها في مصر المتمثلة بالأمن. ففي الخطاب ذاته الذي ألقاه أوباما في أكاديمية وست بونت، اعترف بأن «العلاقة مع الحكومة المصرية الجديدة تستند إلى المصالح الأمنية». وأشار في هذا السياق إلى «معاهدة السلام مع إسرائيل والجهود الرامية إلى محاربة التطرف». ورغم الإجراءات القمعية التي ينتهجها النظام المصري الجديد من خلال الاعتقالات التعسفية بحق معارضين له وأعضاء ومؤيدين لجماعة «الإخوان المسلمين»، إلا أن الأرض المصرية لا تزال خصبة لنمو التطرف، الذي تروّج واشنطن أيضاً لمحاربته. لذلك، تبقى مصر من أهم المستفيدين من المساعدات الأميركية، في ظل استمرار البنتاغون في تقديم المقاتلات والمروحيات والدبابات، إلى الجيش المصري. فقد آثر أوباما، منذ البداية، الحديث عن «تحرّك» أدى إلى عزل مرسي، بدل الكلام عن «انقلاب». ما يعني ترك الباب مفتوحاً أمام المساعدات الأميركية لمصر، ذلك أن قانون المساعدات الخارجية في الكونغرس، يحظر إرسالها إلى أي بلد، وصل رئيسه إلى السلطة عن طريق انقلاب.

لا بدّ لواشنطن
من أن تجد لنفسها
مكاناً وسط التغيرات
الحاصلة في مصر
في معرض حديثه عن العلاقات الثنائية المصرية _ الأميركية، يرى المحلّل في «معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية» جون ألترمان، أن ما تغيّر في ظل الحكومة المصرية الجديدة هو «المؤثّر عليها». فمع بروز دول خليجية عدة؛ من بينها السعودية والإمارات والكويت كراعٍ دولي لمصر، أصبحت الولايات المتحدة مهمّشة بعد عقود من احتلالها مركز الصدارة في هذا البلد. وأوضح ألترمان، الذي عمل سابقاً من ضمن فريق التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية، أن الاستراتيجية التي يجب على الولايات المتحدة اتباعها في هذا الإطار، هي تحديد أولوية للوصول إلى أرضية مشتركة مع الدول الخليج، في سبيل وضع مصر على الطريق المناسب. فبالنسبة له «الولايات المتحدة والدول الخليجية لديها أهداف متوافقة ومتطابقة في مصر، حيث يسعى الجميع إلى إرساء الأمن والاستقرار، مع إدراك أهمية الدور الاقتصادي في ذلك». إضافة إلى ذلك، يشير ألترمان إلى أن «مهمة هذه الدول تكمّل بعضها، فدول الخليج لديها المال الذي لا يمكن للولايات المتحدة تأمينه، فيما تمتلك هذه الأخيرة علاقات دبلوماسية وخبراء تقنيين ومعدات مكافحة الإرهاب التي تحتاج إليها مصر». من هنا، يرى الباحث الأميركي، أنه «لا يمكن تخيّل نجاح مصر من دون تعاون هذين الطرفين». أما الباحث في معهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» إريك تراجر، فيرى أنه «بما أن واشنطن لا تستطيع الحصول على مصر الديموقراطية التي تريدها، فعليها أن تسعى للحصول على مصر التي تحتاج إليها»، أي على دولة تتوافق مع الولايات المتحدة من الناحية الاستراتيجية. وهو يحدّد في موازاة ذلك، أن على أميركا في الوقت الحالي أن «تنظر بواقعية إلى قدرتها على تحديد شكل المسار في مصر، من خلال التركيز على الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، من دون صرف النظر عن المسار، باعتباره انتقالاً إلى الديموقراطية». وقبل تنصيب السيسي بأيام عدة، كتبت المجموعة المختصة بالشأن المصري في معهد «كارنيغي» رسالة إلى الرئيس باراك أوباما، تحث فيها إدارته على «إصلاح سياستها تجاه مصر بطريقة تتفق مع تعهداته الأخيرة للضغط باستمرار لتحقيق الإصلاحات في مصر، مع الحفاظ على التعاون الأمني ​الضروري». فقد حضّت المجموعة، المؤلفة من 12 باحثاً، على «إعادة صياغة العلاقات الثنائية مع مصر خلال عهد السيسي، بما يتناسب مع المصالح الأمنية الأميركية ومطالب الشعب المصري»، معتبرة أن «السيسي لم يظهر أي نية لتبني سياسات تحيّد مصر عن مسار عدم الاستقرار الذي تسلكه حالياً».
وفي الخطاب ذاته، طالبت المجموعة، «باستمرار حجب المساعدات عن مصر، ليس فقط حرصاً على الديموقراطية وحقوق الإنسان، ولكن أيضاً لأن مصر تشهد خليطاً خطيراً من الاستقطاب الاجتماعي والقمع السياسي والإرهاب والتدهور الاقتصادي».
و«بما أن على الولايات المتحدة أن تكمل تعاونها مع الحكومة المصرية في قضايا أساسية تتعلق بالأمن ومعاهدة السلام مع إسرائيل»، فقد رأت المجموعة أن على الإدارة الأميركية أن تخفض مساعداتها العسكرية لتقابل أهدافاً محددة بدل تأمين أسلحة باهظة الثمن، مصر ليست بحاجة إليها.