بغداد | لم يُتَح حتى الآن للجنرال إسماعيل قاآني، الذي يبذل منذ أيام جهوداً مضنية لـ«رتْق الفتق» بين «التيار الصدري» و«الإطار التنسيقي»، على حدّ تعبير أحد قادة «تحالف الفتح»، التوصُّل إلى نتيجةٍ تُجنّب العراق الانزلاق إلى متاهات لن يكون من السهل الخروج منها. ويأتي هذا التعثُّر في ظلّ تمسُّك زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، بموقفه الداعي إلى تشكيل حكومة «غالبية وطنية»، عشية حُكم المحكمة الاتّحادية المؤجَّل إلى اليوم، بشأن تحديد الكتلة الأكبر التي سيتمّ اختيار المكلَّف بتشكيل الحكومة من قِبَلها. تمسُّك يوازيه خلافٌ بين القوى «الكردية» على هويّة رئيس الجمهورية الذي يُفترض انتخابه الإثنين المقبل، يحتاج هو الآخر إلى أكثر من وساطة لحلحلته، تحت طائلة العودة إلى ما قبل اتفاق 2006، الذي نظّم تقاسُم السلطة بين الحزبَين «الكرديَّين»
تَسقط الوساطات، الواحدة تلو الأخرى في العراق، مع الاقتراب من المواعيد الدستورية الحاسمة، ولا سيما انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة المقبلة. وفيما انتكست مبادرة زعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، بين «الإطار التنسيقي» و«التيار الصدري»، في ظلّ تمسُّك الأخير بتشكيل حكومة «أغلبية وطنية»، وترحيبه في الوقت نفسه بالحوار مع ما سمّاه «المعارضة الوطنية» - وهو تعبير يستخدمه الصدر للمرّة الأولى ويفيد بإصراره على أن تكون الحكومة من صُنعه -، يبدو بارزاني نفسه بحاجة إلى من يتوسّط بينه وبين «الاتحاد الوطني الكردستاني» في الخلاف على إعادة ترشيح الرئيس برهم صالح، المنتمي إلى «الاتحاد». وتقوم وساطة بارزاني بين «التيار» و«الإطار»، والتي قالت تقارير صحافية إنها جاءت بطلب من قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، المتواجد في العراق منذ أيام لمساعدة الأطراف على التوصُّل إلى تفاهمات، على تولّي نوري المالكي منصب نائب رئيس الجمهورية، وهادي العامري منصب نائب رئيس الوزراء، إلّا أن الصدر ما زال يرفض أيّ مشاركة للمالكي في الحُكم، وفق ما تؤكّده تغريدة للرجل قال فيها: «أوقفوا الإرهاب والعنف ضد الشعب والشركاء، فما زلنا مع تشكيل حكومة أغلبية وطنية، ونرحب بالحوار مع المعارضة الوطنية».
من جهته، يبدي «تحالف الفتح» استياءه من الانزعاج الذي عبّر عنه بعض الأطراف من الوساطة الإيرانية. وفي هذا الإطار، يقول عضو التحالف، علي الفتلاوي، لـ«الأخبار»: «قد ينزعج البعض عندما يسمع أن قاآني أو أحد قيادات الجمهورية الإسلامية يأتي إلى العراق لغرض رتْق الفتْق ما بين الإطار التنسيقي والتيار والصدري، ولكن نقف إجلالاً واحتراماً عندما يرسل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى كتلةِ سيادة بشقَّيها، لغرض توحيد الكلمة ورصّ الصفّ»، في إشارة إلى وساطته بين خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي، والتي أتاحت انتخاب الأخير رئيساً لمجلس النواب. ويَعتبر الفتلاوي أن «الجمهورية الإسلامية تدخَّلت لغرض جعْل الأغلبية ثابتة وغير متفرّقة، فلو انقسم الصفّ لأصبح كلّ فريق منه يشكل 15%، والأهمّ أن قاآني جاء بدعوة عراقية». ومن شأن الفشل في التوصُّل إلى اتّفاق على شكل الحكومة المقبلة واسم رئيسها، أن يحفّز أيضاً خلافاً على موقع رئاسة الجمهورية، يصطفّ فيه أطراف «المكوّنات» الأخرى خلْف كلّ من الفريقَين «الكرديَّين»، «الاتحاد الوطني» الذي يُعتبر المنصب من حقّه وفق اتّفاق تقاسُم السلطة مع «الديموقراطي»، الذي يريد من جهته إجبار الأوّل على تغيير مرشّحه برهم صالح، فيما رشّح هو عضو قيادته، هوشيار زيباري، لمنصب الرئاسة. وستكون هذه العُقد المتشابكة بوّابة على توتّرات متعدّدة المستويات في «إقليم كردستان»، كما في أنحاء العراق كافة، خصوصاً في ظلّ الارتباطات الإقليمية للأطراف جميعهم، وعلى رأسها ارتباط بعضهم بالولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات وتركيا.
بارزاني نفسه يحتاج إلى من يتوسّط بينه وبين «الاتحاد» في الخلاف على إعادة ترشيح برهم صالح


وفي ما يتّصل بالخلاف الكردي، يوضح القيادي في «الديموقراطي»، وفا عبد الكريم، في حديث إلى «الأخبار»، «(أنّنا) رفضنا برهم صالح لأسباب كثيرة، فهو مجرَّب لأربع سنوات، ولم يكن حامياً للدستور جيّداً، ولم يلتزم خاصة بجميع المواد الدستورية المتعلّقة بحقوق إقليم كردستان، ولهذا لم يكن فعّالاً»، مضيفاً «(أنّنا) طلبنا من الاتحاد سحب اسم مرشّحه، وإعطاءنا اسماً جديد بدلاً منه لكي نتّفق عليه، ولكن رفْض الاتحاد كان محور الخلاف الرئيس بيننا، ولهذا نحن رشّحنا هوشيار زيباري، في حال عدم سحب اسم صالح». ويَلفت عبد الكريم إلى أن «الاتحاد يراهن على عزل زيباري، لأسباب تتعلّق بالفساد حسب ما يقولون، لكن هذه الورقة ستَبطل أيضاً»، مشيراً إلى أن «هناك ماكينة إعلامية لتشويه صورة زيباري، وتظاهرات في بغداد ضدّه مدعومة من الاتحاد»، متابعاً أنه «حتى الإطار التنسيقي ليست له أيّ عداوة مع زيباري، وأعتقد أنه سوف لن تكون لديهم أيّ مشكلة مع ترشيحه، فهم ينتظرون الكلمة الفصل للمحكمة الاتحادية في ما إذا كان زيباري من الفاسدين أم لا، علماً أن إقالته في البرلمان كانت كيدية وسياسية». ويستدرك بأنه «في حال سحْب ترشيح صالح سيكون هناك اتفاق جديد ونوعي»، كاشفاً أن «آخر حوار بين بافل طلباني ومسعود بارزاني قبل ستة أيام في أربيل، لم يأتِ بنتيجة». وردّاً على سؤال حول احتمال عودة «إقليم كردستان» إلى حال الانقسام، يجيب بأنه «لا يوجد أيّ انقسام للإقليم إلى إقليمَين، نظراً إلى وجود قياديين مخضرمين يعرفون مدى تأثير ضعف الإقليم على الساحة الإقليمية والدولية والعالمية».
في المقابل، يَعتبر القيادي في «الاتحاد»، محمود خوشناو، أن «منصب رئيس الجمهورية مهمّ جداً، لذلك على المرشّح للرئاسة أن يتحلّى بقدْر كافٍ من المسؤولية والنزاهة، ولديه حضور فاعل إقليمياً ودولياً، وأن يترجم ذلك في مصلحة العراق»، مضيفاً أن «برهم صالح هو الشخصية المُثلى لتولّي هذا المنصب، وفق التحدّيات الموجودة». ويقول خوشناو «(إنّنا) نعوّل على الفضاء الوطني وعلى الإرادة الوطنية وإرادة النواب والقوى السياسية، التيار الصدري والإطار التنسيقي وتحالف السيادة والقوى المستقلّة سنّية وكردية، والتي ترى أن صالح يستطيع أن ينفّذ هذه الأهداف»، متابعاً: «(أنّنا) كُنّا نتمنّى أن نذهب إلى مرشّح واحد مع الحزب الديموقراطي». وعن تهديد «الاتحاد» بالعودة إلى ما قبل اتفاق 2006 الذي وحّد الإقليم، يجيب خوشناو بـ«(أنّنا) نحن مسؤولون عن الإقليم، نعتبر دهوك كحلبجة وأربيل كالسليمانية، كما أن البصرة والمحافظات العراقية نعتبرها محافظات عزيزة علينا».