سريعاً، تردّد صدى العملية التي نفّذتها حركة «أنصار الله» ضدّ العمق الإماراتي، في الكيان الإسرائيلي، حيث تزاحمت الأسئلة حول التداعيات المباشرة للهجمات اليمنية على الحليف الجديد، الذي يُراد له أن يكون منصّة من منصّات خليجية، لتحقيق مصالح إسرائيل الأمنية في صراعها الدائم مع إيران، بل وعلى مُجمل الصراع الأكبر والأوسع في المنطقة، بين طهران وحلفائها من جهة، وواشنطن وتل أبيب وحلفائهما من جهة أخرى. وإن كان الهدف الرئيس من عملية «إعصار اليمن» تأديب الإمارات وردعها، بعد عودتها إلى تنشيط دورها العدائي في اليمن، إلّا أنها تُحقّق كذلك أهدافاً أخرى تبدو إسرائيل معنيّة مباشرة منها. ومن هنا، تُفهَم التصريحات والمواقف الإسرائيلية الرسمية، التي أكدت «التضامن والوقوف إلى جانب الإمارات» في وجه «العدوان الحوثي»، وهو ما يستبطن إشارة إلى مصالح ذاتية خاصة بالكيان، بات وقوعها تحت التهديد مؤكّداً في أعقاب العملية الأخيرة. والمصالح المذكورة تبدو، في معظمها، محصورة في اتجاهَين اثنَين:الأوّل، أن إسرائيل كانت تسعى إلى إنشاء حلف استراتيجي مع دول الخليج المُطبّعة معها حديثاً، وتلك غير المُطبّعة إلى الآن، في مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة، الأمر الذي يتيح لها حيّزاً جغرافياً قريباً من الجمهورية الإسلامية، تستطيع من خلاله التحرّك استخبارياً وعملياتياً ضدّ الأخيرة. وقد حثّت تل أبيب، واشنطن، على دعم حلفٍ من هذا النوع، وهو ما اشتغلت عليه الولايات المتحدة بالفعل. لكن ما بين التخطيط والتنفيذ هوّة قد تكبر أو تصغر تبعاً لموقف الطرف الآخر وردود فعله وقدراته على تدفيع الأثمان. ولذا، بقي المشروع في الإطار النظري، خوفاً من تداعياته على دول الخليج، وفي المقدّمة الإمارات، الحسّاسة جدّاً في تكوينها ونظامها ووجودها. اليوم، وفي أعقاب «إعصار اليمن»، ثمّة خشية إسرائيلية، إن لم يكن تقديراً، بأن تتجاوز نتائج العملية اضطرار الإمارات للحياد القسري، والامتناع عن الانخراط في أيّ تحالف عسكري أو أمني في مواجهة إيران، إلى حدود التقرّب من طهران، وهو ما سيُعدّ فشلاً إسرائيلياً.
ثمّة خشية إسرائيلية، إن لم يكن تقديراً، بأن تتجاوز نتائج العملية اضطرار الإمارات للحياد القسري


أمّا الاتجاه الثاني، فمرتبط بالقدرة التي ثَبتت لدى حلفاء إيران، على استهداف إسرائيل «إن لَزِم الأمر»، عبر وسائل قتالية باتت متاحة وموجودة، في ساحات المواجهة المختلفة. والحديث، هنا، إنّما يدور عن تهديد مركّب، يتعدّى القدرة الإسرائيلية نفسها على صدّ التهديد، عبر منظومات الدفاع الاعتراضية التقليدية التي كانت تل أبيب حتى الأمس القريب تتباهى بها، وإن كانت هي نفسها (المنظومات) محلّ تشكيك في فعّاليتها. فالضربة المُوجَّهة إلى الإمارات متشعّبة، وتتداخل فيها أكثر من وسيلة قتالية خارجة عن السيطرة وعن القدرة الدفاعية، وتحديداً في ما يتعلّق بالصواريخ المُجنَّحة المتملّصة من الكشف والرادارات، وكذلك الطائرات المُسيّرة التي يمكن توجيهها عن بعد وتغيير مساراتها، إلى الحدّ الذي يربك ويفشل أيّ نظام اعتراضي مضادّ. وبما أن اليمن جزء من محور معادٍ لإسرائيل، فإن صنعاء ستكون قادرة، إن قرّرت، على أن تستهدف الكيان العبري بدءاً من جنوبه، أي من مدينة إيلات، وصولاً إلى وسطه وشماله، كون المسافة بين اليمن والإمارات مساوية تقريباً للمسافة بين الأوّل وإسرائيل، علماً أن «حزب الله» في لبنان، الأقرب إلى الكيان، يمتلك، هو الآخر، قدرات أوسع وأشمل ممّا لدى اليمنيين.
وتأتي ضربة أبو ظبي في مرحلة حسّاسة جدّاً من مسار الصراع القائم في المنطقة، حيث يُعمل على صياغة الاتفاق النووي الجديد بين إيران والغرب قبل التوقيع عليه، وهو ما يفرض على إسرائيل الاستعداد لليوم التالي، والتأكيد لأعدائها أن ما بعد الاتفاق هو نفسه كما قبله، وأن هذا التحوّل لن يمسّ بدافعيّتها وحوافزها للإضرار بهم. لكنّ المشكلة، بالنسبة إلى تل أبيب، هو أن هذه الضربة، وربّما أيضاً ما سيليها، قد يكون من شأنها تقريب الإمارات من إيران، وإن قسراً، الأمر الذي يتعارض تماماً مع المصالح الإسرائيلية. وهنا مكمن الخطورة من ناحية تل أبيب؛ إذ سيكون سابقة تراجُع دولة خليجية تحت التهديد، ليس للتموضع الحيادي في وجه إيران، بل للتقرّب منها، في ما يمكن أن ينسحب على دول أخرى في المنطقة. هذا السيناريو سيكون حاضراً على طاولة التخطيط والقرار في تل أبيب، التي ستجد نفسها معنيّة ببحْث سبل الحيلولة دون تَحقّقه، سواءً عبر تحريض الآخرين أو العمل الذاتي، الذي يبقى في دائرة الشكّ إزاء جدواه.