دمشق | بين طهران والدوحة، أجرى المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، سلسلة مباحثات لتهدئة الأجواء، تحضيراً لعقْد جولة جديدة من مناقشات «اللجنة الدستورية»، كان من المقرّر أن تجري خلال الشهر الحالي، إلّا أن المتغيّرات السياسية والميدانية حالت دون ذلك. وإذ يبقى تحديد موعد هذه الجولة مرتبطاً بجهود بيدرسون من جهة، ووجهات نظر الجهات الدولية الراعية لهذا المسار من جهة أخرى، برزت توقّعات بعقْدها في شهر شباط المقبل، في وقت أنهى فيه وزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، الجدل حول المسار السياسي الآخر الذي تبنّاه بيدرسون وأَطلق عليه تسمية «خطوة مقابل خطوة»، مُعلِناً رفض دمشق إيّاه
استبق وزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، انعقاد القمّة العربية المُقرَّرة في العاصمة الجزائرية في شهر آذار المقبل، بالحديث عن مساعي دمشق لإعادة علاقاتها العربية وتمتينها، سواءً تحت مظلّة «الجامعة» أو حتى خارجها، مشيراً إلى عودة العلاقات السورية مع عدد كبير من الدول العربية، كاشفاً عن «توجيه رسائل خلال الأيام الماضية إلى معظم وزراء الخارجية العرب بأنّنا خسرنا جميعاً كعرب، حيث تُستباح دولنا يومياً، والوضع العربي الاقتصادي ليس جيداً، لذلك علينا العودة إلى بعضنا». وجاءت هذه التصريحات بعد شهور من مساعٍ بدأتها دول عدّة، على رأسها الأردن والإمارات والجزائر ومصر، لإعادة سوريا إلى مقعدها المجمّد في «الجامعة العربية» منذ نحو عشرة أعوام، لكنّها اصطدمت برفض قطري وسعودي، الأمر الذي أدخلها في دوّامة لا يبدو أنها ستَخرج منها في الوقت الحالي.
المقداد، الذي كرّر في تصريحاته المبادئ التي تعتمدها دمشق لحلّ الأزمة في سوريا، وعلى رأسها رفْض التدخّل الخارجي في مسارات الحلّ، وخروج الاحتلالَين التركي والأميركي كخطوة لا بدّ منها للتوصّل إلى تسوية، استبق أيضاً تحديد موعد للجولة الجديدة من مباحثات «اللجنة الدستورية»، مُعلِناً رفْض دمشق خطّة المبعوث الأممي، غير بيدرسون، المسمّاة «خطوة مقابل خطوة»، ومشدّداً على عدم المساس بمؤسّسة الجيش في أيّ مباحثات سياسية. وخلال الشهور الماضية، تبنّى بيدرسن مقاربة تسعى إلى تحقيق تقارب سياسي بين القوى الفاعلة في الحرب السورية، عن طريق تقديم تسهيلات متبادلة، متمثّلة في تخفيف وطأة العقوبات الأميركية مقابل خطوات محدّدة تقوم بها دمشق، الأمر الذي قابلته روسيا بالرفض، كونه يتعارض مع مسارَي «الدستورية» و«أستانا» من جهة، ويمهّد الأرض أمام وجود أميركي طويل الأمد في سوريا، وهو الموقف نفسه الذي اتّخذته الحكومة السورية. بدوره، أعلن «الائتلاف السوري» المعارِض، بدفْع تركي، رفْضه أيضاً مقاربة بيدرسون، والتي تَعتبر أنقرة أنها تساهم في ترسيخ «الإدارة الذاتية» الكردية، التي يقودها حزب «الاتحاد الديموقراطي» الذي تَعتبره امتداداً لحزب «العمّال الكردستاني» المصنَّف على لوائح الإرهاب التركية. وبذلك، عادت جهود التسوية السورية، تلقائياً، إلى مسارَي «الدستورية» و«أستانا»، على رغم فشل هذَين المسارَين حتى الآن في تحقيق أيّ تقدّم ملموس، باستثناء تجميد خريطة السيطرة الحالية، وتراجُع العمليات القتالية إلى الحدود الدنيا.
تبنّى المبعوث الأممي خطّة تسعى إلى تحقيق تقارب سياسي بين القوى الفاعلة في الحرب السورية


وفي وقت سُجّل فيه تصاعُد في الحراك السياسي المرتبط بالملفّ السوري، بما في ذلك الجهود التي تبذلها السعودية وقطر لإعادة بلورة مشروع المعارضة السورية عن طريق دعم إجراء تغييرات في «الائتلاف»، وتوحيد التشكيلات المتشرذمة، أطلق المبعوث الأممي تصريحات من العاصمة الإيرانية طهران، تهدف إلى تبريد الأجواء، عن طريق تأكيده أن «الأطراف لم تَعُد تتحدّث عن إسقاط النظام السوري». وعلى إثر ذلك، سافر بيدرسن إلى الدوحة التي تستضيف في الوقت الحالي مجموعة كبيرة من وجوه المعارضة السورية، حيث التقى وزير الخارجية القطري نائب رئيس مجلس الوزراء، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وعدداً من المعارِضين، من بينهم رئيس وفد «هيئة التفاوض»، أنس العبدة. لكنّ تصريحات بيدرسون قوبلت بأصوات رافضة في الدوحة، إذ خرج رئيس «الائتلاف»، سالم المسلط، بتغريدات تؤكّد استمرار المساعي لـ«إسقاط النظام»، الأمر الذي يتوافق مع التصعيد التركي - السعودي المشترك في الساحة السورية، ومحاولة إعادة هيكلة المعارضة، وتثبيت موطئ قدم لها، بعد أن عجزت طيلة السنوات الماضية عن ذلك، في ظلّ حالة الاقتتال الفصائلي في مناطق نفوذها شمال حلب، ونموّ «هيئة تحرير الشام» ورغبتها في قضم تلك المناطق، بالإضافة إلى نموّ «الإدارة الذاتية» المدعومة أميركياً. ومن شأن هذه المواقف والتحرّكات أن تؤدّي إلى عرقلة جهود بيدرسون لعقْد جولة جديدة من مباحثات «اللجنة الدستورية»، على رغم تحديد موعد مبدئي لها الشهر المقبل، لم يتمّ حسمه بعد.
ميدانياً، كثّفت الطائرات الحربية الروسية والسورية غاراتها على مواقع في البادية السورية يتحصّن فيها مقاتلون تابعون لتنظيم «داعش»، وذلك إثر تنامي نشاط عناصر التنظيم، توازياً مع قرار الولايات المتحدة الإبقاء على قواتها في سوريا تحت عباءة «محاربة الإرهاب». كذلك، أغارت طائرات حربية روسية على مواقع يتحصّن فيها مقاتلون تابعون لـ«هيئة تحرير الشام» في مناطق عدّة في ريفَي إدلب وحلب، في وقت استقدمت فيه تركيا تعزيزات عسكرية جديدة إلى نقاط تتمركز فيها في منطقة جبل الزاوية، التي تُعتبر الجيب الأخير الذي تسيطر عليه الفصائل المسلّحة على طريق حلب – اللاذقية. كما بدأت عمليات تدريب لمقاتلين تابعين لـ«هيئة تحرير الشام» في إدلب، بهدف تحصين مواقع انتشار الجيش التركي، والتحضير لأيّ مواجهات مستقبلية في المنطقة التي تُماطل أنقرة في تنفيذ تعهّدها إنهاء وجود «الإرهاب» فيها، وفتْح الطريق الدولية بين حلب واللاذقية هناك.