بغداد | يتصرّف زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، كما لو أن قرار المحكمة الاتحادية الذي فتَح الطريق للمصادقة النهائية على نتائج الانتخابات التي جرت في 10 تشرين الأول الماضي، أعطاه تفويضاً بتشكيل الحكومة المقبلة، مع فارق أن الصراع الذي دار خلال الفترة الممتدّة منذ الانتخابات وحتى الآن، أظهر له أن بإمكانه أن يكون صاحب التأثير الأكبر في هذه العملية، لكن مع الأخذ في الاعتبار القوى الأخرى ضمن «الصفّ الشيعي»، والأهمّ عدم المساس بموقع العراق ضمن الصراع الإقليمي. يريد الصدر التعامل مع قوى «الإطار التنسيقي» بالمُفرّق لا بالجملة. ولهذا، عندما استقبل وفداً يضمّ رئيس «تحالف الفتح» هادي العامري، ورئيس هيئة «الحشد الشعبي» فالح الفياض، والأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، نشر الموقع الرسمي لـ«التيار الصدري» على الإنترنت خبراً مفاده بأن الاجتماع مع الفياض والخزعلي تمّ بصفتهما ممثّلَين لـ«الحشد الشعبي» والفصائل، لا «الإطار التنسيقي»، ما يطرح احتمال أن يكون الصدر ساعياً إلى اتفاق مع هؤلاء حصراً، يحقّق له أغلبية واضحة داخل «الصفّ الشيعي». وإذا كان من شأن مثل هذا الاتفاق التسريع في تشكيل الحكومة المقبلة، فإن مراقبين يعتبرون أنه سيمثّل على الأكثر هدنة مؤقّتة، على اعتبار أن لـ«الصدريين» أهدافاً مختلفة تماماً عن أهداف «تحالف الفتح» وفصائل المقاومة. وفي تقييم لنتائج الاجتماع الذي جرى في الحنّانة قرب النجف، يقول النائب عن كلتة «صادقون»، الجناح السياسي لـ«عصائب أهل الحق»، عائد الهلالي، لـ«الأخبار»، إن «الأفكار متقاربة ما بين الطرفَين، حيث طلب السيد الصدر من الإخوة في الإطار سحب المتظاهرين، وقد بدأ الانسحاب بالفعل. وكذلك، جرى الترحيب بقرار المحكمة الاتحادية. أمّا في ما يخصّ الحشد، فقد جرى التأكيد أنه باقٍ، فيما سيُصار إلى دمج أو حلّ بعض الفصائل»، مضيفاً أنه «تمّ كذلك الاتفاق على خروج الأميركيين، حيث تعهّد السيد مقتدى بهذا الأمر، إذا أُوكلت له مهمّة إخراج القوات الأميركية». من جهته، أفاد مصدر مطّلع، «الأخبار»، بأن «الاجتماع انطلق من تغليب مصلحة الدولة، وسيتمّ استكمال بحْث ضمانات ذلك في الأيام القليلة المقبلة. أمّا في ما يخصّ شكل الحكومة، فلم يتمّ التوافق عليه لحدّ الآن، الجميع يتمسّك برأيه، سواءً أكان الكتلة الصدرية أم الإطار التنسيقي». وتابع المصدر أن «الأمور يحدّدها الوضع المحلي والإقليمي والدولي، فهؤلاء شركاء في رسم صورة النظام السياسي في العراق في الوقت الحاضر على أقلّ تقدير، وذلك لحداثة التجربة العراقية وعدم إنتاج طبقة سياسية ناضجة منذ عام 2003 إلى اليوم، تأخذ على عاتقها رسم السياسات العامة للبلد خارجياً وداخلياً».
ولا تختصر العملية السياسية كلّ المشهد في العراق، خاصة في ما يتعلّق بالمقاومة التي يرفض أحد أبرز فصائلها، «كتائب حزب الله»، المشاركة في الانتخابات أو الحكومة، على رغم اعتباره الصراع الذي دار حول النتائج، مرتبطاً بالاحتلال الذي مارس عبر السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر، وبمساعَدة ممثِّلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت، ضغطاً كبيراً ظهرت نتائجه في المآل الذي انتهت إليه المراجعات القضائية. وفي هذا السياق، يَعتبر المتحدّث الرسمي باسم «كتائب حزب الله»، محمد محي، في حديث إلى «الأخبار»، أن الإعلان الأميركي الذي جرى قبل أيام عن إنهاء وجود القوات القتالية في العراق، هو «محاولة للالتفاف على قرار مجلس النواب الذي طالب بإخراج القوات الأميركية، وعملية خداع واضحة لتغيير صِفة هذه القوات من قتالية إلى استشارية وتدريبية دون سحبها، وهذا ما لا ينطلي على شعبنا ولا على المقاومة». وحول ما إذا كانت المقاومة ستُجدّد عملياتها ضدّ القوات الأميركية بعد 31 كانون الأول، يؤكد محي أنه «إذا لم تنسحب هذه القوات، وتُخْلي القواعد العسكرية التي تحتلّها بشكل غير شرعي، وتحدّت إرادة الشعب العراقي، فإنّنا سنتعامل معها وفق ما أعلنته الهيئة التنسيقية للمقاومة سابقاً، وسيكون من حقّ الشعب العراقي مواجهتها ومقاومتها بكلّ ما يمتلك من إمكانات، وهذا حقّ كفلته القوانين الدولية والشرائع السماوية».
«كتائب حزب الله»: الإعلان الأميركي عن إنهاء وجود القوات القتالية عملية خداع واضحة


وبخصوص المشاركة في العملية السياسية، يشير محي إلى أن «الكتائب اعتمدت منذ انطلاقتها موقفاً ثابتاً بمقاطعة هذه العملية، ولم تكن لها مشاركة في أيّ حكومة سابقة، ولن تكون لها مشاركة أيضاً في أيّ حكومة لاحقة، كما لا يوجد مَن يمثّل الكتائب في مجلس النواب في جميع دوراته، وكان موقفنا واضحاً ومعلَناً بأنّنا نقف على مسافة واحدة من جميع الشخصيات والكيانات السياسية التي تنسجم مع الثوابت الوطنية، والتي تتّصف بالنزاهة والكفاءة والاستعداد لخدمة الشعب، والحفاظ على الوحدة الوطنية والسيادة ورفض الاحتلال الأجنبي، ورفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. ومن هذا المنطلق، قَدّمنا دعمنا في هذه الانتخابات لعدّة جهات ولعدّة شخصيات». ويَنتقد المتحدّث، ضمناً، مواقف الصدر، رافضاً طرحه تشكيل حكومة أغلبية. ويقول إن «النظام السياسي في العراق مَبنيّ على أساس التوافق والمحاصصة، وهذا ما كرّسه الاحتلال الأميركي، ولا يمكن مغادرة آليات تقاسم السلطة بين المكوّنات بسهولة، ولم تُعتمد الأغلبية في تشكيل المنظومة السياسية سابقاً، وعادةً ما يتمّ التوافق على الرئاسات الثلاث والوزارات بين القوى السياسية حتى قَبْل الجلسة الأولى للبرلمان»، مضيفاً أنه «ينبغي أيضاً الأخْذ في الاعتبار طبيعة الظروف المعقّدة التي يمرّ بها العراق، الذي يحتاج إلى جهد استثنائي وتوحيد صفوف القوى السياسية لإعادة ثقة شعبه بالنظام السياسي، وتقديم الخطط الكفيلة بتجاوز الأزمات الاقتصادية والأمنية والخدمية».