بغداد | سقط رهان آخر، وربّما أخير، على التوصّل إلى حلّ سياسي لأزمة نتائج الانتخابات العراقية، بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا، غير القابل للطعن، ردّ الطعن المطالِب بإلغاء هذه النتائج، والذي برّرته المحكمة بأن «طلَب المدّعين النظر في الإجراءات الفنّية للشركة الفاحصة يتعدّى اختصاصها»، معتبرة أن «قرارات الهيئة القضائية للانتخابات باتّة ولا تقبل الطعن»، ورافضة طلب المدّعين وقْف إجراءات التصديق على حصيلة التصويت. ويعني ذلك أن مجلس النواب المقبل سيتشكّل بحسْب النتائج المعلَنة، شاملاً تغيير خمسة مقاعد فقط كانت الهيئة القضائية قد قرّرت تغييرها بعد فرز يدوي لعدد من المحطّات الانتخابية المطعون فيها. وفي حين أهمل القرار مطلب إعادة الفرز والعدّ اليدويَين الشاملَين، فهو دعا مجلس النواب المقبل إلى تعديل قانون الانتخابات واعتماد النظام اليدوي حصراً، ما يعطي شيئاً من المصداقية لشكاوى الرافضين لنتائج الفرز والعدّ الإلكترونيَين، واللذين يُشتبه بأنهما أتاحا القيام بعمليات تزوير واسعة النطاق، نتيجة تواطؤ الشركة التي أُوكلت إليها العملية.
سقط رهان آخر، وربّما أخير، على التوصّل إلى حلّ سياسي (من الويب)

وعليه، يبدو أن الفترة المقبلة ستشهد توتّراً إضافياً بين الأطراف المختلفة، لا سيما بين «التيار الصدري» الذي حصل على 73 مقعداً في المجلس المؤلَّف من 329 مقعداً، وبين قوى «الإطار التنسيقي» التي اعترضت على النتائج، بخاصة أن تظاهرات احتجاج أحاطت بالمنطقة الخضراء استباقاً لإعلان المحكمة الاتحادية قرارها، الذي صدر بتأخير يوم عن الموعد المقرَّر له أوّل من أمس، وسط تشكيك مسبق عبّر عنه الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، الذي اعتبر أن المحكمة «تعرّضت لضغوط خارجية»، وأن السفير الأميركي هو من حدّد موعد صدور قرارها. لكن إعلان رئيس تحالف «الفتح»، هادي العامري، القبول بالقرار «حرصاً على استقرار العراق أمنياً والتزاماً بالدستور والقوانين»، يشي بأن المعركة ستنتقل إلى داخل مجلس النواب المقبل، حيث سيسعى كلّ طرف إلى تجميع الكتلة الأكبر، بالتالي نيْل حقّ تسمية رئيس الوزراء الجديد، في ظلّ تقارب أعداد النواب بين «الصدري» الذي يريد تشكيل حكومة غالبية بقيادته، وبين «التنسيقي» الذي يريد تشكيل حكومة توافُقية تضمّ الجميع. وفي هذا الإطار، اعتبر القيادي في «الفتح»، محمود الحياني، في حديث إلى «الأخبار»، أن «لا شرعية لمجلس النواب الجديد، وستكون هناك أزمة، ولن يتمّ تشكيل حكومة بسهولة، ليس فقط بسبب الإطار التنسيقي ولكن بسبب جهات سياسية أخرى خسرت مقاعدها وهي صاحبة جمهور كبير»، متوقّعاً خروج تظاهرات كبيرة بعد المصادقة على النتائج، متّهماً «الاتحادية» بأنها «خالفت الدستور العراقي برفْضها الطعن في دستورية القوانين والإجراءات الانتخابية».
ودخل على خطّ الاعتراضات بقوّة، أيضاً، «تحالف عزم» الذي يقوده خميس الخنجر، حيث رأى القيادي في التحالف، عبد الوهاب البيلاوي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «التدخّل واضح وصريح في تغيير نتائج الانتخابات، ولا لبس فيه؛ فلو لم يكن هناك تلاعب، لاتخذت مفوضية الانتخابات الإجراءات اللازمة للعدّ والفرز اليدويَين، وأصغت إلى الطعون المقدّمة». وشدّد على أن «مرحلة ما بعد المصادقة على النتائج هي الحدّ الفاصل في مرحلة الجمود السياسي، حيث سيفصح كلّ طرف عن توجّهاته الحقيقية»، متابعاً أن «لا حلّ لتشكيل الحكومة إلّا بالتوافق، خصوصاً أن لا كتلة من الكتل السياسية اليوم قادرة على تشكيل حكومة» بمفردها. وأكد «أننا على مسافة واحدة مع الجميع، لكنّنا أقرب إلى التفاهم مع الإطار التنسيقي».
دخل «تحالف عزم» بقوّة على خطّ الاعتراض، معتبراً أن التدخّل في نتائج الانتخابات «واضح وصريح»


ونفى البيلاوي حصول اتفاق بين «تحالف عزم» و«تحالف تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، على توزيع المناصب المُخصَّصة لـ«المكوّن السُنّي»، وأبرزها رئاسة مجلس النواب ونيابة رئاسة الجمهورية، قائلاً إنه «لم يحصل أيّ اتفاق بين الطرفَين، وكلاهما لديه مرشّحون لرئاسة مجلس النواب». وعن ظاهرة انضمام النواب إلى التكتلات القائمة، وبخاصّة في ما يتعلّق بـ«عزم» الذي شهدت كتلته زيادة كبيرة، على رغم فوزها بـ13 مقعداً فقط في الانتخابات مقابل 38 لـ«تقدم»، اعتبر أن «من حق كلّ الكتل السياسية التفاهم واجتذاب النواب، سواءً المستقلين أو التفاهم مع كتل وأحزاب أخرى»، لافتاً إلى أن «عزم وصل اليوم إلى 35 نائباً، وقد يتجاوز الـ40 نائباً بعد المصادقة على النتائج». وعن سبب فشل جهود الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في جمع الحلبوسي والخنجر قبل الانتخابات، أجاب بأن «واقع حال العملية السياسية الجارية منذ عام 2003 ولحدّ الآن، يُظهر أنه لا يمكن لطرف إقليمي أن يَجمع بين الأطراف المختلفة، بسبب تضارب التوجّهات والمصالح، وارتباطها بجهات إقليمية متعارضة»، مضيفاً أنه «غالباً ما تكون اللقاءات بروتوكولية لا أكثر، وكلّ طرف يحاول سحب الآخر إلى جانبه».
يُذكر، أخيراً، أن قرار المحكمة الاتحادية تزامن مع إعلان «التحالف الدولي» أنه لم تعُد له قوات قتالية في العراق، وهو ما نظرت إليه القوى المناهضة للولايات المتحدة بعين التشكيك، على اعتبار أن واشنطن قرّرت إبقاء جنودها الـ2500 الموجودين في العراق، ضمن المهمّة الاستشارية والتدريبية الجديدة، بعد كلام أوّل عن سحب هؤلاء، والإبقاء فقط على عدد من المستشارين. وأثار قرار البقاء تحذيرات من قوى المقاومة العراقية ببدء استهداف الجنود الأميركيين، إن لم ينسحبوا قبل 31 كانون الأول الجاري.