القاهرة | أبدى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، انزعاجه من تصريحات رجل الأعمال، نجيب ساويرس، الذي يملك وعائلته استثمارات ضخمة في الداخل والخارج، والذي انتقد مزاحمة الجيش، القطاع الخاص، في المشاريع التنموية. وبعد حملة إعلامية طاولت ساويرس، بشكل غير مباشر، عبر الهجوم على مشاريعه ومواقفه السياسية، جاء الرد مباشراً من السيسي، الذي أعلن أن شركة ساويرس حصلت على أعمال بقيمة 4.7 مليار دولار، خلال السنوات العشر الماضية. إلّا أن تصريحات السيسي لم تكن معبّرة سوى عن جزء من المشهد؛ ذلك أن رجال أعمال آخرين اضطرّوا إلى إعلان إفلاسهم، بعدما خسروا أموالهم نتيجة آلية إدارة إسناد المشاريع، وتحجيم القطاع الخاص بصورة غير مسبوقة، بما فيه القطاع الخاص الأجنبي، الذي لم تنجح التشريعات الصادرة لتشجيعه، في توفير حماية حقيقية له، خلال الفترة الماضية.ومنذ وصوله إلى السلطة، غيّر السيسي قواعد العمل مع القطاع الخاص؛ فالجيش الذي كان ينفّذ خططاً خلال فترات متباعدة، لم يَعُد كذلك، وبات حاضراً في جميع المشاريع، سواء بشكل مباشر عبر الشركات التي تديرها القوّات المسلّحة، وتضاعفت ميزانيّتها بشكل مطّرد في السنوات الماضية، أو عبر الشركات التي يديرها الضبّاط المتقاعدون، باعتبارها شركات خاصّة. ولا تتوقّف امتيازات شركات الجيش على إسناد تنفيذ المشاريع بالأمر المباشر والتساهُل الكبير في عملية مطابقة المواصفات، بل تتعدّى ما تَقدّم إلى الإعفاءات الكاملة من الجمارك وسرعة إنهاء الإجراءات، وصولاً إلى الأيدي العاملة الزهيدة من المجنّدين الذين يقضون فترة التجنيد الإجباري، من دون أن يتقاضوا رواتب تتماشى مع الأجور المتدنّية التي يدفعها القطاع الخاص، في مثل هذه المشاريع.
«جيُبوكم اتملّت»، بهذه العبارة لخّص السيسي سياسته في التعامل مع رجال الأعمال، خلال زيارته للصعيد الأسبوع الماضي، حيث أعلن أنه سيكون له الحقّ الحصري في تحديد نسبة الربح التي يمكن أن يحقّقها أيّ رجل أعمال أو شركة، يدخل أو تدخل في مشاريع الدولة، على قاعدة الاكتفاء بهامش ربح محدود في مقابل «خدمة مصر». ويأتي ذلك بينما بات الكثير من رجال الأعمال الكبار وأصحاب الشركات مضطرّين، في الوقت الراهن، إلى التعامل مع شركات الجيش، وربّما تحمّل خسائر يرفض الأخير تعويضها، نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية، خصوصاً أسعار مواد البناء والمواد الإنشائية. في المقابل، قرّرت بعض الشركات الامتناع عن الانخراط في مشاريع للحكومة، نتيجة الأموال المطلوب سدادها كـ»رشوة»، سواءً في عملية الفوز بالمناقصات أو عند الاستلام. فما حدث أخيراً في مدينة المنصورة الجديدة، حيث جرى اكتشاف تلاعب كبير في الأساسات والمرافق والخدمات، تسبّب في استبعاد عدد من الشخصيات المسؤولة عن ملفّات الاستلام، بالتالي بات المقاولون مطالَبين بتنفيذ ما وقّعوا عليه، وليس ما جرى الاتفاق عليه شفهيّاً مع المستبعَدين من مناصبهم. أمّا الوجه الآخر من ضيق رجال الأعمال، فمرتبط بتأخّر الجيش في سداد المستحقّات، في الوقت الذي يتمّ فيه تخفيض التكلفة، بشكل عشوائي ومن دون دراسة، مع المطالبة باستلام أفضل النتائج في أسرع وقت. ويتناقض هذا الأمر مع طبيعة الأعمال الإنشائية المطلوب تنفيذها، علماً بأن كثيراً من الشركات أُسنِدت إليها مهامٌ بملايين الجنيهات، لم تستطع تحقيق عائد منها، بسبب هذه الظروف.
وقبل أسابيع قليلة، استقبل رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، رجل الأعمال، الشاب مصطفى قنديل، مؤسّس شركة «سويفل» للاحتفاء به. وجاء ذلك في الوقت الذي دفعت القوانين التي يطبّقها نظام السيسي، قنديل إلى الهرب إلى دبي، للبدء في مشروعه الذي تجاوزت قيمته مليار ونصف مليار دولار، في فترة وجيزة. ويعكس هذا المشهد طريقة تعامُل الدولة مع رجال الأعمال الأقوياء في الخارج، ومن بينهم ساويرس الذي صدرت توجيهات بالتضييق على نشاطاته، في الفترة المقبلة، من دون توضيحات، بينما دعا السيسي، خلال حديثه مع أحد المقاولين في الصعيد، المقاولين ورجال الأعمال، إلى تحمُّل تأخير الحكومة في سداد المستحقّات، حتى بعد الانتهاء من تنفيذ أعمالهم، نظراً إلى عدم وجود موارد كافية في الدولة.