رام الله | بالتزامُن مع إضاءة تقارير إسرائيليّة «الضوء الأحمر»، تحذيراً من احتمالية ارتفاع وتيرة عمليّات المقاومة، بعد عملية «حومش» نهاية الأسبوع الماضي، شهدت الضفة الغربية المحتلّة سلسلة حوادث إطلاق نار باتّجاه أهدافٍ إسرائيلية، خلال اليومَين الماضيين، في ظلّ استمرار تفجُّر أزمات داخلية جديدة مع السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. وعلى رغم عدم تَسبُّبها بوقوع إصابات في صفوف الإسرائيليين، إلّا أن تلك الحوادث سَجّلت، خلال الساعات الـ36 الماضية، رقماً قياسياً، ببلوغها خمْساً، أطلق خلالها مقاومون النار، ثلاث مرّات، باتّجاه البؤرة الاستيطانية المقامَة على جبل صبيح في بلدة بيتا جنوب نابلس. كذلك، تعرّضت قوّة لجيش العدو لإطلاق نار قرب بلدة عصيرة القبلية جنوب نابلس، وفي محيط مستوطنة «بسجوت» قرب البيرة، الأمر الذي عُدّ الحدث الأبرز، حيث جرى تبادلٌ لإطلاق النار بين مقاومين وجنود العدو، انتهى باستشهاد المقاوِم محمد عيسى عباس من مخيّم الأمعري. ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، بدأ اشتباك «بسجوت»، بعدما أثارت مركبة فلسطينية شكوك قوّة من جيش الاحتلال، دفَعْتها إلى الاقتراب منها، ليطلِق المقاوِمون النار على الجنود الإسرائيليّين، ويقع اشتباك مسلّح أسفر عن إصابة المقاوِم عباس، قبل أن تنسحب المركبة سريعاً. وبحسب مصادر «الأخبار»، فإن المقاوِمين نجحوا في الانسحاب من محيط «بسجوت»، مروراً بمنطقة سطح مرحبا في مدينة البيرة، ثمّ واصلوا سيرهم نحو منطقة كفر عقب، مروراً بمدخل مخيّم الأمعري. وخلال انسحابهم السريع هذا، لاحقتهم آلية عسكرية إسرائيلية، إلّا أنّ المقاوِمين تمكّنوا من إيصال المقاوِم عبّاس إلى «مجمع فلسطين الطبي»، قبل الإعلان عن استشهاده متأثّراً بإصابته. ويقطن الشهيد، المنتمي إلى حركة «فتح»، في مخيّم الأمعري في محافظة رام الله والبيرة، وهو أحد أقارب جهاد طملية، القيادي المحلّي البارز في «التيار الإصلاحي» الذي يتزعّمه محمد دحلان. كما أن عباس أسيرٌ محرّر، كان قد اعتُقل إدارياً في السجون الإسرائيلية، ثمّ أُفرج عنه في شهر أيلول 2020. ويتمثّل عباس، وفق ما توحي به منشوراته الشخصية، بِسِير شهداء مقاوِمين، من بينهم: القائد عماد مغنية، ونجله جهاد. كذلك، دائماً ما انتقد سياسة السلطة الفلسطينية، والتراجُع الذي سبّبته في النهج النضالي المقاوِم لحركة «فتح».
يجري تنفيذ العمليات من قِبَل المقاومين وفق مبدأ «إطلاق نار وانسحاب سريع


وخلال الشهرَين الماضيَين، شهدت مستوطنة «بسجوت»، ومحيطها، عمليات إطلاق نار متتالية وسريعة، استهدفت مباني المستوطنة من بعيد. وعلى إثرها، كان جيش العدو يكتفي بمصادرة تسجيلات كاميرات المراقبة، وتمشيط منطقة جبل الطويل وحيّ سطح مرحبا المحاذيَين لـ«بسجوت»، من دون الإعلان عن اعتقال مُطلِقي النار. وفي أعقاب العملية الأخيرة، قال مراسل موقع «والا» الإسرائيلي، أمير بوحبوط: «يبدو أن قيادة الجيش الإسرائيلي في الضفّة، فشلت في وقْف سلسلة العمليات». ومنذ معركة «سيف القدس» حتى الآن، تشهد الضفة تصاعُداً كبيراً ولافتاً وغير مسبوق في حوادث إطلاق النار باتجاه أهدافٍ إسرائيلية، سواءً كانت ثابتة كالبؤر الاستيطانية ونقاط المراقبة، أو متحرّكة كالآليات العسكرية، خلال الاقتحامات الليلية للبلدات والمدن الفلسطينية. وفي أقلّ من شهرين، انضمّت مناطق جديدة إلى بنك أهداف تلك العمليات، مثل مدينة طوباس، وبلدة سيلة الحارثية غرب جنين، والبؤرة الاستيطانية في جبل صبيح جنوب نابلس، ومحيط مستوطنة «بسجوت» في مدينة البيرة.
وعلى الرغم من عدم وقوع إصابات في صفوف جنود العدو ومستوطنيه في غالبية حوادث إطلاق النار، إلّا أن تصاعُد هذه الحوادث يُظهر تعاظُم دافعيّة العمل المقاوِم على ساحة الضفّة، فضلاً عن دوره في تزخيم الميدان مُجدّداً، ورفْع معنويّات الفلسطينيين. ويَلفت محلّلون إلى أن ظاهرة الاشتباك خرجت، أخيراً، من حدود مُدنٍ بعينها، مثل جنين، وامتدّت إلى مختلف مناطق الضفة، وهو ما يُنذر بمزيد من العمليات المماثلة، في الفترة المقبلة. وإذ تُعدّ معظم العمليات الأخيرة غير استشهادية، فإن تنفيذها يتمّ وفق مبدأ «إطلاق نار وانسحاب سريع»، ما يدلّ على أن هدفها الرئيس تحقيق خروقات أمنية في ساحة العدو، وتثبيت الفعْل المقاوم بوجْه اعتداءات المستوطنين، وتصاعُد الاستيطان، وانتهاكات جيش الاحتلال.