تثير عملية حومش في شمال الضفة الغربية المحتلّة، جملة أسئلة على طاولة القرار في تل أبيب، لا تجد إجابات، حتّى الآن، في ظلّ خشية إسرائيلية من إمكان محاكاتها والقيام بعمليات مشابهة لها، تُحرَّك تلقائياً من الداخل، أو عبر تخطيط أكثر تنظيماً، من الخارج. العملية التي نفّذها مقاومون فلسطينيون عند مدخل مستوطنة «حومش» بين نابلس وجنين، تُعدّ مصداقاً للقاعدة البديهية القائلة: المقاومة إنّما هي نتيجة للاحتلال، في حين أن تمظهراتها وطرق ممارستها تُعتبر تفاصيل ترتبط بالإمكانات والظروف. يُدرك العدو الإسرائيلي، وتحديداً صاحب القرار في تل أبيب، الواقع الفلسطيني كما هو، على رغم كلّ ما يثيره في العلن ليبرِّر احتلاله. ومع ذلك، ونتيجة تمسّكه بالاحتلال، وبعنصريّته، وامتناعه عن إرجاع الفتات حتّى، من الحق الفلسطيني، يعمل على قمْع الإرادة الفلسطينية وطبيعتها المقاوِمة، وتحويل هُويّة الفلسطيني من صاحب أرض مسلوبة يسعى لاستعادتها، إلى مقيم بلا هُويّة يسلّم بأنّها باتت لغيره.ومن هنا، فإن عملية حومش تمثّل جزءاً من كلّ، فيما نجاحها من شأنه أن يستحثّ الفلسطينيين على المزيد منها. وهذا ما يخشاه العدو ويسعى للحؤول دونه، طالما أنه لا يقدر على محاربة الدافعيّة الفلسطينية نفسها. ولذا، يدأب الاحتلال على كلّ ما من شأنه أن يَحفر في وعي الفلسطينيين، معادلةً مفادها أنه لا يمكن النجاح في إيذاء الإسرائيليين، وأن إسرائيل قادرة على إحباط العمل المقاوِم قبل فعله، وحتى منْع أضراره في حال وقوعه. كما يعمل على تكبير ثمن المبادرة إلى تنفيذ عملياتٍ فدائية، عبر قتْل المقاوِم، حتى إذا لم يعُد يشكّل خطراً على المحتلّ، ومن ثمّ اعتقال عائلته وأقربائه وأصحابه، ولاحقاً هدْم منزله أو منزل عائلته، فيما يستمرّ حصار المنطقة التي يسكن فيها، أياماً، ما يذكّر بممارسات النازية، في القرن الماضي.
تختلف هذه العملية تماماً عن غيرها من العمليات الفردية التي نفّذها فلسطينيون


لكنّ عملية حومش جاءت لتثبت بُطلان تلك «العقيدة»، وهو ما سيكون على تل أبيب استدراكه، تحت طائلة مواجهة تداعيات خطيرة، يمكن إجمالها بما يلي:
1- تختلف هذه العملية تماماً عن غيرها من العمليات الفردية التي نفّذها فلسطينيون بواسطة سكاكين أو عبر الدهس بالآليات، وكان يمكن للمحتلّ أن يَعذر نفسه لفشله في بلورة الإنذار المبكر منها، على خلفية استخبارية، علماً بأن هذه القدرة الاستخبارية تُمثّل واحداً من أهمّ أسلحته في مواجهة الفلسطينيين، سواءً على أرض الواقع، أو داخل الوعي الجمعي الفلسطيني نفسه. فالحديث، هنا، يدور عن كمين مخطَّط له مسبقاً، وجاء تنفيذه عبر مجموعة أفراد، وليس فرداً واحداً، وفقاً لنظرية «الذئب المنفرد»، التي طالما برّرت إسرائيل بها فشلها الاستخباري. بالتالي، فهي ستُحفّز الفلسطينيين على شنّ عمليات، تنطلق من الضفّة أو من خارجها، من دون أن تكون محلّاً للمتابعة الاستخبارية لدى العدو.
2 - ما يضغط أيضاً على المحتلّ، أن العملية أسفرت عن قتْل مستوطن وجرح آخرين، وفي ذلك سبب آخر لتَشجُّع الفلسطينيين على محاكاتها، طلَباً لإيذاء العدو.
3 - يبقى سبب تحفيزي آخر، وهو انسحاب منفّذي العملية، وتواريهم عن الأنظار، وهو ما يعمل المحتلّ على تداركه، من الآن، بكلّ طاقاته وإمكاناته. فالنجاح في التخفّي، إن استمرّ، سيكون بمثابة دعوة إلى الفلسطينيين لتنفيذ مزيد من العمليات.
قد يستطيع العدو، خلال الأيام المقبلة، إضعاف فاعلية العامل الثالث باعتقال المنفّذين، بالاتّكال على أتباعه ووكلائه في الجانب الفلسطيني، والذين لولاهم لكان لهذه العملية وسواها تأثير «الدومينو» في خلْق سلسلة عمليات متصاعدة ضدّ العدو، من شأنها تغيير المعادلات، وتبَعاً له، إجبار العدو على الانكفاء، لكن ذلك لن يؤدي، في حال من الأحوال، إلى إطفاء الحافزية لدى الفلسطينيين. وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، ران كوخاف، في إشارة إلى أجهزة السلطة الفلسطينية ودورها في تتبّع المقاومين وكشفهم، أن «القوّات الأمنية الفلسطينية تنفّذ عملية بحث وتتبّع في جنين، ونحن ننسّق معها هذه العملية، عبر آليات التنسيق المشترك»، وهو ما يعني أن السلطة ستبقى، كما كانت، موضع رهان العدو الأوّل، في وجه المقاومين. وحول دلالات عملية «حومش»، قال كوخاف، في حديث إلى الإذاعة العبرية، أمس: «لا أعرف ما إذا كنْت سأستخدم عبارة موجة إرهاب، وما إن كانت العملية مغايرة للهجمات بالسكاكين التي نُفّذت في الشهر الماضي في الضفة، والتي يوجد فيها ما يمكن وصفه بالتنظيمات التي تريد تنفيذ عمليات»، مضيفاً: «لم يكن لدينا إنذار مبكر والوضع دائماً متوتّر في المناطق» المحتلّة.