تونس | عزيز عمامي وأيوب عمارة، شابّان تونسيان، لم يتجاوزا في 17 كانون الأول 2010، العشرينيات. كلاهما نشط على طريقته في حراك معارضة نظام زين العابدين بن علي، حيث الانخراط في أنشطة مماثلة يومها، بمثابة مجازفة شديدة الخطورة. أيوب، كان طالباً قيادياً في «الاتحاد العام لطلبة تونس» (منظمة طلابية نقابية يسارية)، لاقى نصيبه من ثمن الحرب مع النظام، من إيقافات ومحاكمات وحرمان من الدراسة. وحين اندلعت أولى شرارات انتفاضة 17 كانون الأول، كان أيوب في ساحات الكليات، يحرّض الطلبة على الانخراط في ‹›الثورة››. مَن يعرفه يميّزه بخطبه الطويلة وصوته الأجش، وبجرأته الكبيرة في قول ما لا يقال حينها: تسمية بن علي ونظامه بلا تلميح أو إشارة، والتنديد بممارساته وبقمعه الأمني لأيّ صوت خارج عن النظام.يقول أيوب، في تصريحه إلى «الأخبار»: ‹›أنا أنتمي إلى جيل يساري غامض وغريب عن أهله... قدراتنا صغيرة وأحلامنا كبيرة... وقفنا على طرفي نقيض بين الإيمان القطعي والتمرّد المدمر. والدكتاتورية صنعت لنا - من دون أن تدري - دفئاً طفولياً وبيوتاً ومكتبات صغيرة، ولكن الثورة - التي بشّرنا بها الآخرون - شيّدت لنا بسطات من الإسفلت››. ويواصل مستذكراً: ‹›كنّا نختلف في الصباح ونتعانق في المساء، لم نكن نكتب كثيراً ولكن نفكّر أكثر. لا أحد سيقتفي آثارنا سوى ما تبقّى من ذكرى الأمس››. ويستدرك: ‹›لا أمارس نوستالجيا الأمس، ولكني أرى نفسي تائهاً مثلكم في حاضر لا نجيد قراءته». وعن مشاركته في أحداث كانون الأول 2010، وصولاً إلى كانون الثاني 2011، يقول: ‹›مشاركتنا في الثورة كانت تجمع بين فكرة تحقّق النبوءة وبين الاضطلاع بمهام الانخراط في الحركة الاجتماعية العاصفة التي سرعان ما أصبحت تعبّر عن نفسها سياسياً من خلال شعار خبز وماء وبن علي لا». وبسؤاله عمّا إذا كان يعتبر ما حدث ‹›ثورة›› أم ‹›انتفاضة››، يجيب عمارة: ‹›انتميت لجيل يتلذّذ بابتداع الاختلافات وتأصيلها وفق الرؤى التي شقّت اليسار التونسي، كنت دائماً أدافع على أن ما حدث هو ثورة لم تنجز مهامها، وأن الخطيئة الكبرى هي عدم التجرّؤ على تفكيك القاعدة المادية للحكم، من عائلات راكمت الثروة مستفيدة من نظام الحكم آنذاك».
«الرئيس يفتقد للرؤية والتصوّرات وهو حصَر الأزمة في بعدها الدستوري القانوني»


أمّا عزيز عمامي، فقد نشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وشارك وقاد تحرّكات انتظمت للدفاع عن حرية التعبير وضدّ الحجب على الإنترنت، إذ كان موقع ‹›يوتيوب›› الشهير محظوراً في تونس حينها، وكانت صفحات معارضي النظام تتعرّض للحجب. يقول عمامي، في تصريحه إلى «الأخبار»: ‹›كانت أحداث كانون الأول 2010 وكانون الثاني 2011 انتفاضة شعبية متصاعدة، تحوّلت إلى مسارَين بعدها: مسار تلفيقي سُمّي زوراً بالانتقال الديموقراطي، والذي ارتكز أساساً على تجاوز الإرادة الشعبية نحو التوافقات بين مختلف مراكز السلطة والفساد، ومسار ثانٍ مقاوم سمّى نفسه مساراً ثورياً». ويضيف: «في العشريّة الفارطة، أهدرت البلاد فرصاً للتقدّم واستغلال ثرواتها على الوجه السليم بما فيه مصلحة الجميع، كما طالبت الانتفاضة. وتحوّلت البلاد إلى ساحة مفتوحة لمختلف الناهبين».

عن إجراءات سعيد
«أنظر بعين الإيجاب لإجراءات 25 جويلية، وأعتبر أن قيس سعيّد تأخّر في اتخاذ هذا الإجراء. وجوده على رأس الدولة هو في الأساس اختطاف للدولة لصالح الثورة»، هكذا ردّ عزيز عمامي لدى سؤاله عن رأيه بإجراءات الرئيس. وأضاف عمامي: «ما بعد 25 تموز له زمنه الخاص، يبدأ بإصلاح القانون الانتخابي، ومن ثمّ الذهاب إلى أوّل انتخابات تشريعية نزيهة، مروراً ببروز ساحة سياسية جديدة». وعن الانتقادات الموجّهة إلى سعيد لناحية البطء في الإصلاحات، اعتبر عزيز أن «من ينتقدون بطأه لا ينتقدونه، لأن سعيد لا يطرح على نفسه تنفيذ المطالب السياسية للآخرين، هو يطرح الحفاظ على الدولة والمرور بها نحو دولة تكون أقرب للجهاز الذي سيلبّي طموحات الثورة». وتابع: «لن يستطيع سعيد ذلك إن سارع في الإجراءات القضائية بطريقة مباشرة، إذ حينها سيكون اعتدى على مؤسسة من مؤسسات الدولة ممّا يضعه في تناقض».
أما أيوب عمارة، فقد اعتبر أن صعود سعيد «جاء في سياق عام تعيش فيه الديموقراطية التمثيلية في معاقلها أزمة تزامناً مع طفرة الشعبوية»، وتابع مفسّراً: «قبل 25 تموز، كانت خطابات قيس سعيد مبنيّة بلغة النسبة إلى المجهول، وبعدها كان انتظار التونسيين طويلاً لكي يخلّص الرئيس البلاد من ثقل عشر سنوات عاشت فيها تونس أحلك فتراتها». وأضاف: «أنا مع مؤسسة رئاسة عادلة وقوية وتحترم شعبها، ولست مع جمهورية الرئيس»، موضحاً: «ما قام به الرئيس فرصة للتغيير بشروط، فتْح الملفات الكبرى على غرار ملفات تسفير شباب تونسيين للقتال في بؤر التوتر، والاغتيالات السياسية، والفساد والتهرب الضريبي». ورأى أن سعيد كان «وفياً للتيار الشعبوي الذي يعبّر عنه»، قائلاً: «الرئيس يفتقد للرؤية والتصورات، وهو حصَر الأزمة في بعدها الدستوري القانوني مع أخطاء في ذلك أيضاً». وشدد أيوب على أنه، وعلى عكس ما يذهب إليه البعض، «فإن الإشكال في الوضع الحالي لا يكمن في تفرّد سعيد بكل الصلاحيات التنفيذية»، بل في أن «تونس تعيش اليوم من دون سلطة مضادّة للسلطة القائمة». وتابع: «خطورة قيس سعيد تتمثّل في عدم درايته بأبسط مستلزمات الحُكم، إضافة إلى ضعف ثقافته السياسية»، مضيفاً: «كما أن الرئيس لا يرى ما حوله من مبادرات وتفاعلات، وخير مثال على ذلك موقفه من مبادرات اتحاد الشغل والتشكيلات السياسية التي حاولت تحويل لحظة خمسة وعشرين تموز من انقلاب إلى مَنفذ يمكن من خلاله لتونس أن ترى النور».