بغداد | في الوقت الذي لا يزال فيه تشكيل الحكومة الجديدة في العراق يواجه عقبات كبيرة، وذلك بسبب الخلاف المستمرّ على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة بين قوىً تشاركت في السلطة معظم الوقت منذ إزاحة صدام حسين عام 2003، جاء تشكيل تحالُف عابر للطوائف والقوميّات من المستقلّين المعارضين، ليقدّم نموذجاً جديداً ذا دلالات كثيرة. دلالاتٌ لعلّ أهمّها إمكانية تجسيد وحدة العراق، كبديل للغة التقسيمية التي دأب عليها عدد من قوى السلطة، وفتْحُ الباب أمام إطلاق معارضة من خارج الطيف السياسي الذي تناوَب على المحاصصة طوال تلك السنين، وينخرط الآن في صراع مرير على تركيب الحكومة الجديدة، ممّا أدخل البلد في حالة شلل مفتوحة على شتّى أنواع الصراعات. «التحالف من أجل الشعب»، الذي تَشكّل الأربعاء الماضي، من حركة «امتداد» التي يترأسها علاء الركابي، وتكتّل «الجيل الجديد» الذي يترأسه شاسوار عبد الواحد، هو التحالف الأوّل من نوعه الذي يضمّ في كتلة واحدة مستقلّين من القوميّتَين العربية والكردية، من أحزاب جديدة لم تسبق لها المشاركة في الحُكم، وخرجت من رحم التظاهرات التشرينية التي كان هدفها الأساسي الاحتجاج على الفساد المستشري في الدولة، بغضّ النظر عمّا إذا كانت قوى خارجية أو جهات غربية تتستّر بالعمل تحت عنوان «المنظّمات غير الربحية»، قد دخلت على خطّ هذه الاحتجاجات، وحرفتْها عن مسارها.ما يميّز التحالف الجديد أنه ليس هامشياً، إذ ضمّ كمرحلة أولى 18 نائباً في البرلمان المكوَّن من 329 نائباً، وهو رقم ليس صغيراً بالنظر إلى أحجام القوى في مجلس النواب الجديد، المتشكّل من عدد كبير من القوى تُمثّل كامل الطيف العراقي، طائفياً وعرقياً وسياسياً. وإذ لا يزال هذا التشتّت يولّد صعوبة بالغة في تشكيل الحكومة، بعد أكثر من شهرَين على إجراء الانتخابات التي لم تَصدر نتائجها المصادَق عليها بعد، بسبب الدعوى المطالِبة بإلغاء تلك النتائج، والمُقدَّمة من رئيس تحالف «الفتح»، هادي العامري (أرجأت المحكمة الاتحادية النظر فيها إلى 22 كانون الأول الجاري)، يأتي تكتّل النوّاب الـ18، المُوزّعين بالتساوي على حركة «امتداد» المُشكَّلة في معظمها من مستقلّين شيعة، وتكتّل «الجيل الجديد» المُكوّن من مستقلّين أكراد، ليُحدث فارقاً - ولو بسيطاً - في المشهد. وتُعدّ هذه المرّة الأولى التي تتوحّد فيها كتلة كردية مع أخرى غير كردية، منذ إنشاء منطقة «الحُكم الذاتي» في «كردستان العراق» بعد حرب الخليج الأولى، والتي صارت الأحزاب الكردية بعدها تتعامل مع المنطقة بوصفها على طريق الانفصال، الذي بات بالنسبة إليها مسألة وقت فقط.
الناطق الرسمي باسم حركة «امتداد»، منار العبيدي، يوضح، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الهدف من هذا التحالف يأتي بالدرجة الأولى لتشكيل كتلة عابرة للاصطفافات الطائفية والقومية، مبنيّة على أساس المواطنة والولاء للوطن أولاً، والعمل على تصحيح عمل مجلس النواب المتمثّل ليس فقط بالجانب التشريعي، وإنّما في الجانب الرقابي أيضاً، وتقييم الأداء الحكومي وتوضيح مواطن الخلل في المنظومة التنفيذية». ويضيف العبيدي أن «التحالف الجديد بُني على رؤية واضحة تعمل على تشريع قوانين في مختلف التوجّهات لخدمة المواطن العراقي بالدرجة الأساسية، وتغيير بعض القوانين التي ساهمت في زيادة العبء على هذا المواطن. وأيضاً، سيكون للتحالف دور رقابي وتقييمي للأداء الحكومي بشكل قوي، وتوضيح مقدار الإخفاقات التي قد تحدث. كما سيكون له دور مهمّ وأساسي في العمل على كشف قتَلة متظاهري ثورة تشرين وتقديمهم للعدالة ومحاسبتهم قانونياً». ويَعتبر أنه سيكون «من الصعب جدّاً تشكيل حكومة أغلبية في هذه المرحلة، بسبب تركيبة مجلس النواب الجديد، وعليه يمكن أن نرى انبثاق حكومة توافقية لن تستطيع أن تمارس دورها بشكل صحيح، وقد تؤدي إلى الاستمرار بالفشل، نتيجة هذه التوافقات التي كانت السبب الرئيس في إيصال العراق إلى المستوى الذي وصل إليه». من جهته، يتوقّع النائب عن «امتداد»، محمد نوري عزيز، في حديث إلى «الأخبار»، أن يرتفع عدد أعضاء التحالف الجديد إلى 40 نائباً، «بعد انضمام عدد من النوّاب من المستقلّين الآخرين، ومن الحركات الجديدة غير التابعة لجهات سياسية، والتي تبحث عن مشروع حقيقي ينظّم العمل السياسي ويقوّم عمل الدولة».