قدمت نشرة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي في إسرائيل، رؤية إسرائيلية تفيد بأنّ حكم الرئيس المصري الجديد، عبد الفتاح السيسي، هو أفضل خيار ممكن لتل أبيب، متوقعة أن تشهد المرحلة المقبلة مزيداً من التنسيق والتعاون بين الجانبين، لكنها حذرت من «تحديات غير سهلة» في بداية ولاية السيسي يمكن أن تطيح حكمه.
وبعدما نبهت نشرة «إنسايت» إلى أن نتائج الانتخابات المصرية لم تكن مفاجئة، فإنها استدركت قائلة: «الإخوان المسلمون الذين هم عدو السيسي الرئيسي، جعلوا الانتخابات أكثر سهولة بمقاطعتهم لها، فمهدوا الطريق أمام انتصار ساحق»، مضيفة: «منافسه حمدين صباحي لم يكن بإمكانه أن يشكل تحدياً، رغم أنه شخصية تمثل قيم الثورة المصرية ونال خمسة ملايين صوت في الانتخابات السابقة».
ما ساعد السيسي وفق النشرة العبرية أنه من أبرز القيادات العسكرية التي أطاحت حكم الإخوان والرئيس المخلوع محمد مرسي، «وذلك بعد خيبة أمل وغضب معظم الجمهور المصري من هذه الجماعة، وقد كان الناس يتطلعون إلى زعيم قوي قادر على إعادة الاستقرار وفرض القانون والنظام وإعادة بناء الاقتصاد». وتابعت: «أيضاً الإعلام المصري عرض السيسي على أنه شخصية قادرة على فعل كل ذلك، وحظي بمساندة من كبار الشخصيات العسكرية».
مع ذلك، فإن التصور الإسرائيلي مبنيّ على تقديرات متداولة لدى بعض الباحثين عن المرحلة المقبلة للسيسي، وهي تخالف فكرة استعادة مصر دورها كما كان في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حين كان للقاهرة مكانة رائدة على مستوى العرب بين 1950 و1960، وترى فيها «تقديرات مغلوطة لأن الواقع والإمكانات لا تسمح بتحقيقها».
بناءً على هذه التوقعات، تشير النشرة إلى أن الطريق ليست معبدة بالكامل للسيسي، رغم الفوز الكاسح في الانتخابات الأخيرة، شارحة: «الرئيس المصري الجديد ليس خياراً يجمع عليه كل المصريين، لأن جماعة الإخوان تنظر إليه على أنه عدو أعلن الحرب عليها، إضافة إلى جماعات من الفصائل الليبرالية القلقة من ابتعاد السيسي عن أهداف الثورة، وفي مقدمتها عملية الانتقال إلى الديموقراطية ومنع عودة البلاد إلى عهد حسني مبارك، فضلاً عن الخشية من أن يتجه نحو الاستفادة من مكانته الجديدة لبناء ديكتاتورية عسكرية». ويساند مخاوف الليبراليين المزاج الشعبي، لأن الأولوية الموجودة لدى المصريين في هذه المرحلة تحقيق الاستقرار الأمني وإعادة البناء وتحسين الاقتصاد، «وهي أمور تفوق مكانة القاهرة أو تعزيز القيم الثورية ومسار الديموقراطية في البلاد».
لكن ماذا عن التحديات؟ تشير النشرة إلى تحديين أساسيين يواجههما السيسي، هما: إعادة بناء الاقتصاد المتردي بسبب الثورة عام 2011 مع إعادة الاستقرار الأمني، «إضافة إلى العمل على مواجهة تراجع الاستثمارات الأجنبية التي أضرت قطاع السياحة الحيوي». من هنا، على السيسي، طبقاً لحديث مركز الأبحاث، أن يعمل على إعادة جذب المستثمرين الأجانب والحد من البطالة وإعادة تنشيط السياحة وتطوير البنى التحتية والصناعة.
وكل هذا التحدي محفوف بالمخاطر «رغم وعود السيسي الانتخابية بأنه سيجد حلولاً للمشكلات الاقتصادية خلال أول عامين من ولايته الرئاسية». تكمل النشرة الإسرائيلية: «المصريون رفعوا مستوى توقعاتهم تجاه السيسي، وهم ينتظرون نتائج ملموسة خلال مدة وجيزة، ما يعني وجود خطر بشأن نزولهم إلى الشارع من جديد وإطاحة الرئيس إن لم يحقق توقعهاتهم سريعاً، مع تأكيد أن الجيش والقوات المسلحة لم تعد تشكل حصانة كاملة للنظام كما كانت في السابق».
التحدي الثاني، كما تذكر نشرة مركز الأبحاث، يتعلق بـ«مواجهة الإخوان وتفاقم مستوى الإرهاب، وضرورة استعادة القانون والنظام»، مضيفة: «من ناحية هذه الجماعة التي جرى إخراجها عن القانون، أغلق السيسي الباب أمامها نهائيّاً، إذ أقدم على سجن عدد من قادتها وقدمهم إلى المحاكمة بل حكم على بعضهم بالإعدام مع التشكيك بإمكان تنفيذ هذه الأحكام». وتمضي قائلة: «أوضح الرئيس الجديد أنه سيتعامل بيد ثقيلة جداً مع الإسلام الراديكالي المتمثل بالإخوان والحركات الإسلامية الأخرى، ما يعني أن الكرة الآن في ملعب هذه الجماعات التي عليها أن تختار خطوتها التالية بما يشمل خيارات متطرفة كالانخراط في صراع عنيف مع السلطة، وربما جر البلاد إلى حرب أهلية».
وتبقى وجهة النظر الإسرائيلية إلى فوز السيسي محل تساؤل، فتجيب النشرة: «فوزه هو النتيجة المُفضلة من ناحية تل أبيب. فحكمه أفضل بكثير من حكم الإخوان الذي كان عدائياً للدولة العبرية. كذلك فإنّ منافسه صباحي انتقد إسرائيل بشدة خلال حملته الانتخابية الأخيرة، وعبّر عن دعمه لحركة حماس... على النقيض من صباحي، يرى السيسي أن اتفاقية كامب ديفيد ذخر استراتيجي مصري، ولا يشكك بضرورتها، بل عبّر بوضوح عن أنه سيحترمها».
ويعوّل الإسرائيليون بناءً على ماضي السيسي في رئاسة الاستخبارات ووزارة الدفاع، أنه يعي الآن في موقعه الرئاسي فوائد التعاون العسكري مع الدولة العبرية، «لذلك سيزيد مستوى التفاهم والتعاون معها، فرغم أنه يعبر عن رغبته في تعديل الشق العسكري في اتفاقية السلام، لكنه يرى أن هذا التعديل سيكون بالتوافق مع إسرائيل خدمة لتمكين الجيش المصري من تعزيز سيطرته على سيناء ومكافحة الإرهاب وتهريب السلاح في شبه الجزيرة. كذلك يرى السيسي أن حماس منظمة إرهابية لها ارتباطات بالإخوان، وهذا سيجعله يواصل العمل على منع تهريب الأسلحة إليها من سيناء».