دمشق | لم يحمل المبعوث الخاصّ للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، الذي زار دمشق أوّل من أمس، والتقى وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، أيّ جديد، باستثناء «التفاؤل» الذي أبداه بعد اللقاء، مُعيداً التذكير بمعادلته التي يحاول العمل عليها، والتي أسماها «خطوة بخطوة»، ملوّحاً بإمكانية تحقيق خرق سياسي، يُعيد وصل العلاقات السورية المقطوعة مع الولايات المتحدة وأوروبا، مقابل إجراء بعض "التغييرات". بيدرسن، الذي جاء إلى دمشق بعد نحو شهرين على تعثّر مفاوضات «اللجنة الدستورية» في جنيف في تشرين الأول الماضي، جرّاء الفشل في التوصّل إلى مسودّة مشتركة بين وفدَي الحكومة والمعارضة، بدا، هذه المرّة، أكثر تفاؤلاً بالمُضيّ قُدُماً في مفاوضات اللجنة التي يعتبرها أحد الأسس اللازمة لإحداث تغيير في الحالة السورية، ورسم مسار واضح لإنهاء الأزمة. وعلى النحو نفسه، لم تَصدر تصريحات جديدة أو مفاجئة من دمشق، حيث تمسّك المقداد بالمبادئ التي أعلنتها بلاده سابقاً، والمتعلّقة بالدرجة الأولى برفض التدخّل الأجنبي، مشدداً على ضرورة «تجنّب أي تدخّل خارجي في عمل لجنة مناقشة الدستور، وأن يكون الحوار سورياً ــــ سورياً يعبّر عن تطلّعات السوريين، وليس خدمة أجندات الدول المعادية لسوريا»، وفق تعبيره. بدوره، تناول بيدرسن، خلال حديث إلى الصحافيين عقب لقائه المقداد، الجولة التي قام بها على عواصم غربية وإقليمية وعربية عدة، واللقاءات التي عقدها خلالها، قائلاً إن «هناك فرصاً لإعادة إطلاق المسار السياسي»، وفق معادلة «خطوة بخطوة»، موضحاً «(أننا) نضع على الطاولة خطوات محدّدة بدقّة، يمكن التحقّق منها، ونأمل بأن يبدأ بناء بعض الثقة. وبالطبع القضايا المرتبطة بالوضع الإنساني والتحديات الاقتصادية، يجب أن نكون جزءاً لا يتجزأ من ذلك». كما ألمح المبعوث الأممي إلى وجود قبول أميركي وأوروبي وإقليمي بتطبيع العلاقات مع دمشق خلال الفترة المقبلة، وقال: «يجب علينا الآن ألّا نحلّل فقط موقف العرب، بل أيضاً الموقف الأميركي والأوروبي والتركي والروسي والإيراني، إضافة إلى التطوّرات في سوريا أيضاً»، وتابع: «هناك إمكانية أخرى للبدء في استكشاف السبل الممكنة، وللبدء في المُضيّ قُدُماً في هذه العملية».كذلك، التقى بيدرسن في دمشق الرئيس المشترك لـ"لجنة مناقشة الدستور" (الوفد الحكومي إلى اللجنة الدستورية)، أحمد الكزبري، وبحث معه وضع خطّة لإزالة العقبات التي واجهتها الاجتماعات السابقة للجنة تمهيداً لاجتماع مقبل، رفض بيدرسن تحديد موعد له في الوقت الحالي، في وقت ذكرت مصادر ديبلوماسية سورية أن الاجتماع قد يتمّ الشهر المقبل في جنيف. وعلى خلاف «الإحباط» الذي مُنيت به الجولات الماضية، ثمّة تغيّرات دولية عدة يمكن أن تدفع نحو إحداث تقارب في جنيف في المستقبل القريب، وهو الأمر الذي يبدو أن بيدرسن اعتمد عليه لإظهار تفاؤله. ومن بين تلك التغييرات، الموقف الأميركي الذي يبدو اليوم أقلّ حزماً، وأكثر رغبة في إرساء أرضية لتسوية سياسية في سوريا بعد أن طال أمد الحرب، خصوصاً عقب نجاح روسيا في تجميد خطوط التماس في الميدان، وهو ما وفّر بيئة مناسبة لإطلاق عملية سياسية لن تكون سهلة. أيضاً، يستند بيدرسن في تفاؤله إلى الحالة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد في الوقت الحالي في جميع مناطق سيطرة الحكومة، والتي تتطلّب تسريعاً لجهود الحلّ السلمي. وفي وقت لم يَذكر المبعوث الأممي أيّ تفاصيل عن "التغييرات" المطلوبة من دمشق، تَبرز تحدّيات عدة ستظلّ تعترض مساعيه، وأبرزها الوجود الأميركي والتركي في سوريا، والذي تعتبره دمشق وموسكو أحد أسباب تعثّر جهود التسوية، إضافة إلى تركيز الولايات المتّحدة، وبعض القوى الإقليمية، على الوجود الإيراني في سوريا، بما يشوّش على عمل "اللجنة الدستورية"، ويُدخل الأمور في مسار أكثر تعقيداً.
وتأتي زيارة بيدرسن إلى دمشق، ولقاؤه المقداد، استباقاً للجولة 17 من «مسار أستانا»، والمقرّر عقدها بشكل افتراضي يومَي الـ21 و22 من الشهر الحالي، بعدما جرى تخفيض التمثيل الديبلوماسي للمشاركين فيها إلى نوّاب وزراء خارجية الدول الضامنة لهذا المسار (روسيا وتركيا وإيران). ومن المقرّر، أيضاً، أن يحضر بيدرسن اللقاء الذي سيناقش مجموعة ملفّات متعلّقة بخطوط التماس واللاجئين، إضافة إلى سبل الدفْع بالعملية السياسية، ومسألة المساعدات الإنسانية التي تحاول موسكو حصرها بخطوط التماس بين مناطق سيطرة الحكومة السورية وتلك الواقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة، وإغلاق الطرق الدولية أمامها (معبر باب الهوى عبر تركيا وغيره)، بهدف منع ترسيخ حالة التقسيم القائمة. كذلك، تأتي زيارة المبعوث الأممي إلى سوريا في وقت تشهد الساحة العربية حراكاً متزايداً لإعادة دمشق إلى مقعدها المجمّد منذ أكثر من 10 سنوات في «جامعة الدول العربية»، تتصدّره كلّ من الإمارات والجزائر ومصر، وسط ضبابية في الموقف السعودي ومعارضة واضحة من قطر و- من ورائها - تركيا، الّلتين تحاولان إعادة هيكلة المعارضة مرّة أخرى، بعد أن أظهرت التكتّلات المعارضة القائمة ترهّلاً كبيراً أضعف موقفها في المحادثات السياسية، وأخرجها من الحسابات الدولية.
على الصعيد الميداني، كثّف سلاحا الجوّ السوري والروسي غاراتهما على مواقع عدّة في البادية السورية، حيث يتحصّن مقاتلو تنظيم «داعش»، والذين صعّدوا عمليّاتهم خلال الشهرين الماضيين، بعد أن أعلنت واشنطن نيّتها البقاء في سوريا تحت مظلة «محاربة الإرهاب». وفي إدلب، استهدف الجيش السوري وسلاح الجوّ الروسي مواقع للفصائل المسلحة في المنطقة التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام»، في محيط طريق «M4» الدولي الذي يربط حلب باللاذقية، والذي شهد ملفّه عرقلة تركيّة حالت دون فتحه، على الرغم من وجود جدول زمني واضح منحته موسكو لأنقرة لفتح الطريق، و«فصل الإرهابيين في إدلب»، الأمر الذي قابلته الأخيرة بفتح ملفّ الأكراد والتهديد بعملية عسكرية مقابلة في الشمال والشمال الشرقي من سوريا، بحجّة محاربة «حزب العمّال الكردستاني»، وهو ما أدّى بمجمله إلى تجميد ملفَّي إدلب و«قسد»، في الوقت الحالي.