بغداد | لماذا تراجَع الأميركيون عن قرار الانسحاب من العراق؟ الإجابة على هذا السؤال قد تُفسّر استعداد الولايات المتحدة للعودة بالبلد إلى كونه ساحة اشتباك، على خلفيّة اعتبار الأميركيّين أنهم حقّقوا نقاطاً ضدّ إيران في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلّا أنهم مُنعوا من أخذ البلد كلّه في اتجاه آخر، بسبب بقاء نوع من التوازن السياسي بنتيجة الاستحقاق، والتي يخطئ الأميركيون في قراءتها، أو يتعمّدون ذلك، إذا اعتبروا أن الكفّة مالت لمصلحة القوى الموالية لهم، وخاصة إذا حسبوا فوز «التيار الصدري» شكلاً من أشكال التصويت ضدّ خصومهم. فالصدر يقدّم نفسه مستقلّاً تحت شعار «لا شرقية ولا غربية» الذي يستخدمه في كلّ أدبياته السياسية، حتى وإن كانت لديه مقاربة مختلفة للعلاقات مع دول الجوار الخليجي وإيران، هذا فضلاً عن أنه لا يستطيع - بالتعريف - الاصطفاف مع الأميركيّين إذا بقيت قوّاتهم الموجودة حالياً، والبالغ قوامها 2500 جندي، في العراق، بعد التاريخ المفترَض للانسحاب، بعدما كان منتَظراً خفْض عديدها بشكل كبير، وتفكيك قاعدتَي «عين الأسد» غرب بغداد، و«حرير» في شمال البلاد.في هذا الوقت، تُواصل المقاومة العراقية استعدادها لإطلاق هجمات ضدّ قوات الاحتلال، اعتباراً من اليوم الأوّل في السنة الجديدة. استعدادات تُضيّق، بدورها أيضاً، خيارات الصدر الذي لن يستطيع الوقوف ضدّ المقاومة، ولو أنه يرفع شعار محاربة الفساد وبناء الدولة. فالأولوية ستبقى لطرْد الاحتلال، وعليه ستتراجع أهمية العملية السياسية في البلاد، ومعها نتائج الانتخابات وما ستؤول إليه لدى القضاء العراقي، علماً أن المحكمة الاتحادية أرجأت إلى 13 كانون الأول الجاري، النظر في الدعوى المُقدَّمة من رئيس «تحالف الفتح»، هادي العامري، لإلغاء النتائج. ولا تبدو كلّ تلك التطوّرات مفصولة عمّا يجري على خطّ المفاوضات النووية في فيينا، والإجراءات الأميركية المصاحِبة لذلك، ولاسيما تشديد العقوبات، حيث يبدو أن واشنطن تريد استغلال التطوّرات العراقية لإبقاء قوّاتها على هذه الساحة والضغط على طهران انطلاقاً منها، في ظروف تتأمّل أن تكون مؤاتية لها أكثر من السابق، خاصة مع عودة تنظيم «داعش»، الذي مثّل الذريعة لمجيء القوّات الأميركية في المقام الأوّل، إلى تجديد نشاطه على نحو ملحوظ، فيما يُواصل الأميركيون، ومعهم حكومة مصطفى الكاظمي (وفق ما أنبأ به تصريح مستشار الأمن القومي العراقي صالح الأعرجي أمس)، الحديث عن أن تحويل القوّة الأميركية إلى قوّة استشارية سيحصل في الموعد المقرَّر، في كلام فضفاض لا يجد انعكاسات له على أرض الواقع.
يعتقد «التيار الصدري» أن المصادقة على نتائج الانتخابات ستتمّ ولكن بعد إعطاء فرصة سياسية


واحتدم، أخيراً، الخلاف السياسي الناشئ عن نتائج الانتخابات بين «التيار الصدري» ومعارضيه من القوى السياسية «الشيعية»، ليوفّر أرضية مناسبة للعودة إلى أجواء التوتر، مع تمسّك كلّ من الطرفَين بموقفه: الصدر بفوزه وأحقيّته في تشكيل حكومة أغلبية، والمعارضون له بأن الانتخابات شابها «تزوير»، ويجب إمّا تصويب نتائجها وإمّا إلغاؤها كلياً. وكان زعيم «التيار الصدري» ألمح إلى تورّط القوى الرافضة للنتائج في أعمال العنف الأخيرة، قائلاً، في بيان، إن «عودة الإرهاب المتمثّل بداعش في منطقة مخمور، والتفجيرات السياسية في البصرة، وبعض الاغتيالات من هنا وهناك، ينبئ بتأزّم الوضع السياسي، ولجوئهم للعنف، وهو ما سيجرّ البلاد إلى الخطر من أجل بعض المقاعد». وفي الإطار نفسه، يَعتبر القيادي في التيار، رياض المسعودي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «ما تقوم به بعض القوى السياسية يهدف إلى تأخير المصادقة على نتائج الانتخابات، وهو ما لا يصبّ في خدمة العملية السياسية»، مستدركاً بأن «المصادقة ستتمّ، ولكن بعد إعطاء فرصة سياسية لتهدئة الأمور، لكي لا تكون هناك ردّة فعل سلبية من بعض الأطراف التي تعتقد أنها لم تحصل على نتائج إيجابية».
ويرى المسعودي أنه «لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يمضي التيار الصدري باتجاه إشراك الجميع في الحكومة، لأن ذلك يعني إسقاط دور مجلس النواب الرقابي والتشريعي»، مضيفاً أن الغرَض من طرْح «مشاركة الجميع، عدم إعلام الشعب العراقي بِمَن يشكّل الحكومة، ومَن هي الجهة التي نجحت، ومَن هي الجهة التي فشلت، أي توزيع النجاح والفشل على الجميع». وهذا من شأنه، بحسبه، تعميق انعدام ثقة العراقيين بالعملية السياسية، والذي تجلّى في الانتخابات الأخيرة في «اقتصار نسبة المشاركة على 41.42 في المئة، أي أن هناك نسبة 58 إلى 59 في المئة لم تقترع، وهذه الأغلبية الصامتة لها دور كبير»، وفق ما يلفت إليه القيادي «الصدري»، الذي يخلص إلى أنه من الضروري «الذهاب في اتجاه تشكيل حكومة أغلبية وطنية».
وردّاً على سؤال حول رفْض القوى «الكردية» و«السُنّية» الدخول في حكومة غير متوافَق عليها بين «الشيعة»، يعترف المسعودي بأن «هناك خلافاً عميقاً جدّاً بين تقدّم وعزم، ولكن بالنسبة إلينا هذا الموضوع هو بين تلك القوى. وكذلك الأمر بين القوى السياسية الكردية، حيث هناك خلاف عميق بين التغيير من جهة، والحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني من جهة ثانية»، مضيفاً أن «أغلب هذه الخلافات مرتبطة بالرئاسات وتوزيع الوزارات، لا بالبرنامج الحكومي والخدمات والرؤية السياسية وكيفية إدارة البلاد». ويستنتج أن «الأهمّ بالنسبة إلى القوى المذكورة هو المشاركة في الحكومة، لأن عدم المشاركة قد يفقدها الاتصال بالجمهور»، متابعاً أن «التيار الصدري يسير بخطوات واضحة لتحقيق مبتغاه في إدارة جديدة للبلاد، تضمَن التمثيل الإيجابي والشراكة الحقيقية بدل المشاركة».