عندما تتداول تقارير إعلامية أخبارا عن علاقات سرية بين إسرائيل ودول عربية فهذا شيء، وحين يصرح وزير الخارجية الإسرائيلي بوجود مثل هذه العلاقات ويدعو إلى إشهارها على الملأ، فإن هذا أمر آخر. أفيغدور ليبرمان «شبع» من اللقاءات السرية على حد تعبيره، «لذلك صار لا بد للدول العربية المعتدلة أن تجتاز الحاجز النفسي وتسعى نحو بناء علاقات علنية مع تل أبيب، لأن في ذلك مصلحة لها»، كيف؟
«سوف نصمد من دونهم، لكنهم من غير المؤكد أنه يمكنهم الصمود من دوننا».
هذه خلاصة الرؤية الدبلوماسية الإقليمية التي بسطها أمس الوزير الإسرائيلي في محاضرة ألقاها أمام جمعيات طلابية داخل مركز هرتسليا المتعدد المجالات. المدخل إلى هذه الرؤية هو تحقيق تسوية سلمية مع الدول العربية المعتدلة «تكون التسوية مع الفلسطينيين جزءا منها لا شرطا لها». وفي نظر ليبرمان «عندما نتحدث عن تسوية، فإن الأمر يتعلق قبل أي شيء آخر بتسوية إقليمية»، مضيفا: «عندما أتحدث عن تسوية إقليمية، فهذا يعني علاقات دبلوماسية كاملة مع قطر وعمان والكويت والمملكة السعودية، وعلاقات تجارية مع دول العالم العربي المعتدلة». ولو حدث ذلك، «فإنه سيكون واقعا مختلفا... حقيقة أن نطير مباشرة من تل أبيب إلى الدوحة ونعقد صفقات تجارية معهم هي واقع مغاير كليا».
أما عن الفوائد من تلك العلاقات، فأوضح ليبرمان قائلا: «دمج قدرتنا على الإبداع مع القدرات الاقتصادية الضخمة للدول العربية المعتدلة سوف يحدث تحولا كبيرا، بل سنصل بذلك إلى واقع مغاير، ولن نحتاج حينئذ إلى الرباعية أو غيرها... كل شيء ناضج، ولدينا كل الظروف المناسبة، كما من المهم جدا التوصل إلى تسوية مع تلك الدول المعتدلة».
ووفقا لنظريته، فإن «الخط الفاصل الحقيقي اليوم هو بين المعتدلين والمتطرفين. والخطر الحقيقي على الأنظمة العربية هو إيران لا الصهاينة. وهم يدركون ذلك.
فمن دون الإيرانيين لم يكن نظام الأسد في سوريا ليصمد شهرا، وأيضا حزب الله لم يكن قائما، ولن يقوم دون مساعدة إيران، كذلك فإن الجهاد الإسلامي في قطاع غزة هو إيران، والتآمر في الخليج هو إيران، وثانيا هناك أذرع الإخوان المسلمين وحماس ضمنهم، ومنهم الحركة الإسلامية داخل إسرائيل، والقاعدة»، ملخصا: «الصراع ضد هاتين القوتين مصلحة للدول العربية المعتدلة أكثر من كونه مصلحة لنا».
على هذا الأساس، أضاف السياسي الإسرائيلي الذي دعا في الماضي إلى قصف السد العالي في مصر: «نحن سوف نصمد من دون الدول المعتدلة، لكن هم من غير المؤكد أنهم سيصمدون من دوننا».
وبصراحته المعهودة مضى يقول «لقد شبعت من اللقاءات السرية. على العالم العربي أن يتجاوز الحاجز النفسي. عندما تلتقي أحدهم سرا، يتحدث معك وجها لوجه كأنك أحد أفراد جماعة الأصدقاء، وأنت تستمتع بالحديث معه. وعندما تلتقيه لاحقا في مؤتمر دولي تندهش منه إذ يتحول فجأة إلى التعامل معك كعدو».
وأردف ليبرمان: «لقد ولت أيام دبلوماسية الاتفاقات السرية، فالدبلوماسية هي قول كل شيء وجها لوجه، وعلينا أن نكون دولة طبيعية بعد 66 عاما، لذلك أحاول تصعيب الأمور عليهم كي يفهموا أن هذه مصلحتهم»، معقبا: «مئير دغان (رئيس الموساد السابق) قال إن إسرائيل مثل العشيقة في الشرق الأوسط. الجميع يستمتعون بالعلاقة معها ولا أحد يعترف بذلك». واختتم: «الاتجاه واضح جدا، فالعالم المعتدل يخسر يوميا نقطة بعد أخرى: قطر تدفع عمولة حماية لجهات خارجية وتنتهج أسلوب الانتهازية المطلقة عندما تعوّد أحدهم تلقي رسوم الرعاية، ففي نهاية المطاف سيأخذ كل ما لديك، كذلك العالم الغربي يجب أن يطلب من قطر وضع حد لهذا الأمر، وأن تتوقف عن لعب هذه اللعبة المزدوجة... التحالف مع إسرائيل فقط يمكن أن يعطيهم الحل».