برغم أن كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري انطوى على تعهد بألا تعترف الولايات المتحدة بالحكومة الفلسطينية الجديدة، كما أعلن ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن ما تلى تأليف الحكومة لجهة ربط هذا الاعتراف بأدائها يؤشر إلى مدى نجاح الحكومة الإسرائيلية في تطويق نظيرتها الفلسطينية، التي أُعلنت أمس.
وقرر اجتماع الحكومة الأمنية المصغرة «تخويل رئيس الوزراء فرض عقوبات إضافية على السلطة الفلسطينية»، وتحميل السلطة المسؤولية التامة عن اي هجمات على إسرائيل.
كما قررت الحكومة الأمنية المصغرة بالإجماع عدم إجراء مفاوضات أو اتصال بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية الجديدة، طالما بقيت «حماس» عضواً فيها. كذلك، خوَّل المجلس الوزاري المصغّر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، صلاحية فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، كما تقرر عدم السماح بإجراء العملية الانتخابية في السلطة طالما بقيت «حماس» ضلعاً فيها. وأخيرًا، اتُفق على إنشاء طاقم وزاري خاص لفحص الإجراءات أحادية الجانب الإضافية التي يتوجب على إسرائيل اتخاذها رداً على الخطوة الفلسطينية.
في السياق نفسه، استغرب نتنياهو، تحدث الدول الأوروبية التي استنكرت الهجوم الأخير في المتحف اليهودي في بروكسل، عن حكومة حماس بصورة ودية، مشددا على أن ذلك «يدعم الإرهاب لا السلام». وأشار إلى أن «الإرهاب الإسلامي يرفع رأسه في أوروبا»، لافتا إلى أن هجوم بروكسل كان آخر تعبير عن ذلك. وضمن ترجمة للتوجه الإسرائيلي الرسمي، دعا مكتب نتنياهو «دول العالم الديموقراطي إلى الوقوف ضد حكومة عباس ـ حماس»، التي قال إن تأليفها يخالف الاتفاقات بناء على أن هذه الحركة تدعو إلى تدمير إسرائيل. وشهدت الساحة الإسرائيلية سلسلة من المواقف اليمينية الهستيرية ردا على تأليف الحكومة الفلسطينية وأدائها اليمين الدستورية، فدعت إلى تكثيف الاستيطان في جزء من الرد. ورأى رئيس البيت اليهودي ووزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، الذي يطالب بضم مناطق «ج» في الضفة المحتلة إلى إسرائيل، أن الحكومة الجديدة «حكومة إرهاب بربطات عنق»، واصفا إياها بأنها غير شرعية. وقال: «قررت حكومة إسرائيل بالإجماع ألا تعترف بهذه الحكومة، وألا تقيم علاقات معها»، مضفيا عليها صفة «الإرهاب» على خلفية أن من ألّفها «فتح» و«حماس»، «والأخيرة تدعو إلى قتل اليهود الذين يختبئون خلف الحجارة والشجر».
من جهته، رأى وزير الإسكان، اوري اريئيل، أن «أبو مازن ألّف حكومة إرهاب مع قتلة، وأثبت أنه غير معني بالسلام»، وبرغم أن اوري من أشد المعارضين للتسوية مع السلطة، فإنه قال إن «إقامة حكومة الإرهاب استمرار لنهج إحباط المفاوضات على يد الفلسطينيين»، متوقعا في سياق متصل أن يكون الظرف ملائما لحكومته حتى تبادر إلى تسويق آلاف الوحدات السكنية التي جمدت سابقا. كذلك، رأى نائب وزير الدفاع الإسرائيلي داني دانون، أن تلك الحكومة «ذات وجه جميل وأيادٍ دموية»، محذرا من أن أي مساعدة تقدمها واشنطن إلى الفلسطينيين ستساعد على المس بدولة إسرائيل.
في المقابل، انتقد وزير المالية ورئيس «هناك مستقبل» يائير لابيد، ما سماه الردود الانفعالية من جانب اليمين، لافتا إلى أن هذا ليس وقت الانفعال، «بل التعقل». واقترح لابيد على أعضاء الحكومة ألا يمنحوا «حماس» فرصة تحويل النار «من أجل نيل عناوين في الساحة السياسية الداخلية لدينا»، قائلا إن هذه الخطوة بحاجة إلى دراسة. هذا نفسه ما كان الوزير عمير بيرتس (من حزب هاتنوعاه) قد نبه إليه بقوله إن إعلان إسرائيل المقاطعة التامة للحكومة الفلسطينية سيصب في خدمة حماس وحدها، موضحًا: «بإعلان إسرائيل انعدام فرص الحوار سيؤدي ذلك إلى الدفع بفتح وحماس إلى حل الخلافات بينهما بصورة أسرع». بدوره، حذر رئيس المعارضة وحزب العمل، حاييم هرتسوغ، من اتخاذ خطوات تؤدي إلى انهيار السلطة وخسارة التعاون الأمني معها، «لأن ذلك سيمس أمن مواطني إسرائيل»، واصفا الوضع بأنه «حساس جدا».
أما صحيفة «هآرتس»، فدعت إلى الاعتراف بحكومة المصالحة الفلسطينية، مشيرة إلى أن تهديد نتنياهو ينطوي على تناقض «لأنه لا يزال مستعدا لمواصلة التنسيق الأمني مع الحكومة نفسها، التي يدعو إلى مقاطعتها». ورأت الصحيفة أن هذه الحكومة تعكس اعتراف حماس بالسلطة التي تألفت استنادا إلى اتفاقات أوسلو، مع أنها سبق أن عارضتها بكل قوة، محذرة من أن رفض إسرائيل الاعتراف بهذه الحكومة «من شأنه أن يقدمها مرة أخرى كمن يرفض منح فرصة للمسار السياسي، وخاصة مع إعلان الحكومة الجديدة تمسكها بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، واستمرار تعاونها معها، وإعلانها رغبتها في استئناف المسيرة السلمية».
في هذا الصدد، قال المعلق السياسي في صحيفة «إسرائيل اليوم» إن الرد الحكيم يكمن في التنديد بحكومة فلسطينية بمشاركة حماس، «وإعلان أن التفاوض يمكن أن يستمر مع أبو مازن فقط»، مشيرا إلى أن الانتظار والسكوت خياران سياسيان، «والعاقل في هذا الوقت هو من يصمت».
على جانب آخر، من المقرر أن يلتقي كل من عباس وكيري غدا في العاصمة الأردنية عمان، كما أعلنت وكالة «وفا» التابعة للسلطة. وقال مصدر رسمي إن «اللقاء بين كيري وعباس، الذي غادر الأراضي الفلسطينية إلى عمان أمس، سيتناول جهود دفع عملية السلام بعد انتهاء المفاوضات مع إسرائيل في نيسان الماضي دون التوصل إلى اتفاق». وأضاف المصدر: «سيتناول اللقاء كذلك تفاصيل تأليف حكومة التوافق مع حماس، علما أن عباس كان قد طمأن كيري خلال اتصال معه إلى أن الحكومة من المستقلين، وتمثل البرنامج السياسي له، وهدفها الإعداد للانتخابات المقبلة». وأعلنت الخارجية الأميركية، في وقت متأخر أمس، أنها تنوي التعامل مع حكومة التوافق، وأنها ستحكم عليها من أفعالها.