غزة | يتولى الأكاديمي رامي الحمدلله، اليوم، رئاسة الجلسة الأولى لحكومة التكنوقراط الفلسطينية بعدما جرى تعيينه بالتوافق بين حركتي «فتح» و«حماس» على أن تؤدي حكومته مهماتها لمدة ستة أشهر، علما أنه تلقى دعوة رسمية إلى زيارة واشنطن هذا الشهر. الحكومة الجديدة أبقت الأجهزة الأمنية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية على حالها، مع تكليف الحمدلله إدارتها بصفته وزيرا للداخلية، لكن هذا يفتح الباب أولا أمام سلسلة من الاستدراكات بشأن كيفية إدارة ملف الحريات العامة المتعلق بالإفراج عن كل المعتقلين السياسيين في شطري الأراضي المحتلة.
في هذا السياق، ذكر رئيس لجنة الحريات العامة مصطفى البرغوثي أن الحكومة لن تعمل في هذا الملف بعيدا عن لجنته، مؤكدا ضرورة تنفيذ جميع قرارات اللجنة المتعلقة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ووقف ملاحقة الصحف ووسائل الإعلام والناشطين وغير ذلك. وأوضح البرغوثي لـ«الأخبار» أن لجنة الحريات المنبثقة عن مباحثات القاهرة عام 2011 «مطالبة بالتعامل مع كل من الخروق بمختلف أنواعها في غزة والضفة بالتنسيق مع الحكومة الجديدة».
هذا الملف بتعقيداته وأهميته ليس الوحيد الذي سيواجه حكومة الحمدالله، إذ هناك تحديات لا تزال غامضة المصير، كتوفير التمويل اللازم لتغطية نفقات الحكومة، وخصوصا رواتب موظفي السلطة، يضاف إليهم عبء جديد متعلق بموظفي غزة، الذين يزيد عددهم على 46 ألفا.
ونفى عضو اللجنة التنفيذية لـ«فتح» جمال محيسن أن تكون أي من الفصائل قد أخذت على عاتقها المساعدة على توفير التمويل، مؤكدا أنها (أي الحكومة) ستتحمل أعباء نفسها. وقال لـ«الأخبار»: «لا شأن لحماس وفتح بتوفير النفقات الخاصة بالحكومة الجديدة»، مجددا نفيه أن يكون الملف المالي قد بحث في مشاورات تأليف الحكومة خلال الأسابيع الماضية. وأضاف محيسن: «الوضع الطبيعي أن تتحمل حكومة الكفاءات هذا العبء»، مستدركا: «قضية التمويل تخص الرئيس محمود عباس ولا علاقة لنا بذلك».
وربما تتضاعف العراقيل في ضوء تجديد إسرائيل فرض عقوباتها الاقتصادية على السلطة عبر وقف تحويل عائدات الضرائب إلى خزينة الحكومة، وهي تمثل أكثر من ثلثي إجمالي إيراداتها، لكن الناشط السياسي عمر شعبان، الذي يزور بروكسل هذه الأيام لمناقشة سبل التعاون الأوروبي ــــ الفلسطيني، عوّل على التزام الاتحاد الأوروبي مواصلة دعم الحكومة الجديدة. وأكد شعبان لـ«الأخبار» ترحيب الأوروبيين بتأليف حكومة الوفاق الوطني التي من صلب مهمتها التجهيز لانتخابات رئاسية وتشريعية، لافتا إلى أن الأزمة الأوكرانية لا تزال تستحوذ على اهتمام وتمويل استثنائيين من الاتحاد الأوروبي، «ما قد يؤثر سلبيا في مستوى الدعم المقدم إلى السلطة».
أما العقبة التي تبدو أكثر أهمية، فهي قدرة الحكومة الجديدة على تهيئة الظروف للانتخابات في غضون ستة أشهر، وخصوصا أنها ستصطدم في حدود صلاحياتها مع مواقف «حماس» و«فتح» في ما يتعلق بكيفية إجراء الانتخابات في الشتات. وبناء على ما تشهده الأزمة السورية مثلا، يبدو من المستحيل إشراك فلسطينيي سوريا في عملية التصويت للانتخابات المقبلة، إضافة إلى غياب أي ضمان لمشاركة أهالي القدس في هذه الانتخابات، التي من المقرر في أحد تفرعاتها أن تؤسس لمرحلة جديدة على صعيد منظمة التحرير، وأن تمهد لانخراط حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» فيها.
وعاد البرغوثي ليؤكد أن الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، الذي من المقرر أن يلتئم لاحقا، سيبحث في اجتماعه إمكانية إشراك فلسطينيي الشتات في الانتخابات المقبلة، نافيا علمه بتوقيت التئام الإطار المنبثق عن حوارات القاهرة 2005، ويضم الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، بما فيها «حماس» و«فتح»، إضافة إلى عدد من المستقلين، لكنه ذكر أن نية انعقاده قائمة ويجري «البحث عن المكان المناسب لجمع الأطراف».
تبقى مهمة أخرى على عاتق هذه الحكومة، هي كسر الحصار المفروض على غزة، والسعي إلى فتح معبر رفح البري، في الوقت الذي ترفض فيه حماس إعادة تطبيق اتفاقية المعابر 2005، التي كانت تنص على وجود مراقبين أوروبيين على الجانب المصري من المعبر، علما أن موقفها يصطدم أيضا برؤية الرئيس عباس، التي تقضي بإيجاد معبر للأفراد وآخر للبضائع، وفق نص الاتفاق الذي عقد بين السلطة ومصر وإسرائيل سابقا.
مع ذلك، يتطلع رئيس اللجنة الشعبية لكسر الحصار النائب جمال الخضري إلى أن تعمل الحكومة الجديدة على التوصل إلى اتفاق مع المصريين لفتح المعبر، بما يضمن حرية تنقل الأفراد بعيدا عن اتفاق 2005، معبرا عن أمله في ألا تأخذ الإجراءات وقتا طويلا «وخصوصا بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية المصرية». وشدد الخضري في سياق حديثه لـ«الأخبار» على أهمية أن تفي الحكومة الدور المناط بها، والمتعلق بكسر الحصار، وعزا في الوقت نفسه العقوبات الإسرائيلية إلى محاولة تل أبيب عرقلة مهمات الحكومة الجديدة.
هذا كله يضع الحمدالله وحكومته أمام اختبار حساس، فإما أن ينجحا ويتمكنا من الوصول بالفلسطينيين إلى بر الانتخابات، وإما أن تبقى الأمور معلقة على حبال العراقيل، وعدا ذلك تبني شرائح كبيرة من المواطنين آمالا عريضة على هذه الحكومة، في جملة من القضايا الرئيسية والحساسة، كمواضيع الفقر والبطالة، وتوفير فرص عمل لآلاف العاطلين من العمل.