يستعدّ السوريون لانتخاب رئيسهم اليوم. 15 مليون ناخب مدعوون للتوجّه إلى 9601 مركز انتخابي في معظم أنحاء البلاد، تفتح أبوابها في الساعة 7 صباحاً وحتى 7 مساءً، وإن كان الإقبال كثيفاً على صناديق الانتخاب يمدد الوقت بما لا يتجاوز 5 ساعات. اللجان الفرعية للجنة العليا للانتخابات الرئاسية أعلنت إنهاء تحضيراتها. تعمل القيادة السورية على إظهار الحدث كيوم استحقاق طبيعي.

وزارة الداخلية، مثلاً، طلبت من المواطنين «مواصلة التزامهم الدستور والقوانين والتعبير عن تأييدهم لأي مرشح عبر ممارسة حقهم الدستوري والإدلاء بأصواتهم لاختيار مرشحهم بكامل الحرية والشفافية والمسؤولية». وزارة الخارجية السورية لم تردّ، مجدداً، على التشكيك الغربي في الانتخابات ونتائجها المتوقعة. مقابل الهدوء السياسي لدمشق والثقة بدعم حلفائها، الذين يوجد ممثلون عن حكوماتهم وبرلماناتهم اليوم، تعيش المعارضة حالة من السعار السياسي والعسكري.
رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا، وجّه خطاباً إلى السوريين عبر قناة «العربية» السعودية. دعاهم، في كلمة من غرفة فندقه، إلى «التزام منازلهم» خلال الانتخابات، متهماً «النظام بالإعداد لسلسلة تفجيرات وقصف على التجمعات» ومراكز الاقتراع.
تناسى رئيس «المعتدلين» أنّ 30 شهيداً سقطوا في درعا قبل نحو 10 أيام في قصف من مجموعة معارضة على تجمّع انتخابي. ولم يعد أمام الرجل سوى بناء سيناريو متخيّل لقصف الجيش السوري لناخبين يفترض أن يحميهم من قذائف الهاون ومدفع جهنّم والسيارات الانتحارية التي «تزور» يومياً الآمنين في بيوتهم.
على عكس الجربا، تُظهر المجموعات المسلحة أهدافها المعلنة، إذ تعمل جاهدة لتعكير سير العملية الانتخابية. قذائف هاون بالجملة سقطت على دمشق وحلب أمس، كذلك شهدت معظم جبهات ريف العاصمة مواجهات عنيفة. لكن عمليات المعارضة لم تخرجها من نطاقها الدفاعي في ظل تثبيت الجيش لمواقعه وامتلاكه زمام المبادرة. وألحق الجيش السوري أمس خسائر فادحة في صفوف المسلّحين المنتشرين في ريف العاصمة، في ظل استهداف هؤلاء شوارع دمشق بقذائف الهاون.

استشهاد عشرة
مدنيين في تفجير انتحاري في ريف حمص

«المرحلة الثانية» من عملية «كبت الخائبين» التي أطلقتها «غرفة عمليات دمشق» لم تسفر عن نتائج تذكر. ففي الأجزاء الشمالية من منطقة المليحة، أدت المواجهات إلى مقتل العشرات من مسلحي «جيش الإسلام» و«لواء الإيمان» بحسب مصدر لـ«الأخبار»، بينهم سعوديون، فيما استمرّت المواجهات في المناطق المجاورة بالمليحة، كدير العصافير والنشابية وجسرين. وشرح مصدر عسكري لـ«الأخبار» أن «المعارك التي أطلقها المسلّحون انعكست سلباً عليهم، هم أطلقوها لأسباب سياسية، متعلقة بالانتخابات، بينما وضعهم العسكري لا يسمح لهم إلّا بالبقاء في وضعية دفاعية».
وفي مزارع عالية في دوما قُتل مسلّحان أثناء اشتباكات دارت في تلك المنطقة، فيما عثر الجيش على نفق بطول 300 متر يصل بين حرستا والقابون، تحت الطريق الدولي، كان مجهزاً بوسائل متطورة للإنارة والتهوية. كذلك امتدت المواجهات إلى منطقة عدرا العمالية، وتحديداً في الجزيرة الحادية عشرة والتاسعة من البلدة.
على صعيد آخر، نفى «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» أيّة اتصالات جرت بين المعارضة والدولة السورية حول تبادل مختطفي عدرا العمالية بمسلّحين معتقلين. وقال، في بيان، إنّ كل ما قيل عن «صفقات تبادل أسرى عدرا العمالية عار من الصحة» والغاية منه استخدامه كـ«ورقة سياسية» تخدم «الانتخابات الرئاسية». مصدر عسكري رسمي علّق على هذا البيان بالقول: «إن توقيت نفي تلك المفاوضات يشير إلى أن المعارضة تسعى إلى التقليل من شأن نهج المصالحات، تزامناً مع الانتخابات». وأشار إلى أن «سيطرة الجيش على الأرض هي التي فرضت في وقت سابق، وتفرض، على المسلّحين مثل تلك المفاوضات».
من ناحية أخرى، قتل لبنانيان في منطقة أشرفية الوادي، في وادي بردى (شمالي دمشق)، أثناء مواجهات جرت في تلك البلدة، بحسب وكلة «سانا». وفي شرقي حيّ جوبر استهدف الجيش تحصينات للمسلّحين، ما أدى إلى مقتل العديد منهم.
وإلى الغرب من دمشق، شهدت داريا، صباح أمس، اشتباكات عنيفة بالقرب من جامع طه وقرب مبنى المالية ومحيط مقام السيدة سكينة، قتل خلالها العديد من مسلّحي لواء «أحفاد الرسول». فيما شهد مخيم اليرموك (جنوبي دمشق) اشتباكات متقطعة بين مسلّحي «جبهة النصرة» ومسلّحي «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة». وقال مصدر عسكري لـ«الأخبار»: «يسعى المسلّحون إلى تعميق الأزمة الإنسانية في المخيّم، من خلال عرقلة إدخال المساعدات بواسطة افتعال الاشتباكات. بالنسبة إلينا، سنعمل على الاستمرار بإدخال المساعدات إلى المدنيين بأقصى جهدنا».
وفي موازاة ذلك، تساقطت قذائف الهاون على نحو كثيف على العاصمة دمشق، استهدفت مناطق الجمارك والعدوي وسوق مدحت باشا الأثري في الشام القديمة، أدت إلى إصابة العديد من المدنيين، بينهم طفلة. وفي حلب أعلن مصدر في قيادة الشرطة أنّ قتيلاً و4 جرحى على الأقل سقطوا بعدما استهدفت قذائف أحياء الحمدانية والسريان والموكامبو.
وفي درعا (جنوباً)، وقعت مواجهات في مناطق ساحة الأربعين ومدرسة اليرموك وشرق مبنى الاتصالات وشمال بناء الإعلاميين وجنوب جامع الأبازيد، وأدت إلى وقوع العديد من القتلى والمصابين في صفوف المسلّحين، بحسب ما نقلت وكالة «سانا».
واستشهد أمس عشرة مدنيين إثر تفجير صهريج مياه كان يقوده انتحاري في قرية الحراكي في ريف حمص. وتبنّت العملية «جبهة النصرة». وفي ريف حمص الشمالي، أصدرت «الهيئة الشرعية» و«غرفة عمليات المنطقة الشرقية في الريف الشمالي»، بياناً، أعلنت فيه «رفض المصالحة مع النظام واعتبار كل من يتعامل معه خائناً».
في موازاة ذلك، أكد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، أمس، أنّ دول المنطقة ستدفع «ثمناً باهظاً» لدعمها المسلحين الذين يقاتلون الجيش السوري.
وقال خامنئي، خلال لقائه أمير الكويت صباح الأحمد الصباح في طهران: «للأسف، إن بعض دول المنطقة لم تلتفت إلى الخطر الذي قد تشكله تلك التيارات التكفيرية عليها في المستقبل، وما زالت تقدم الدعم لها».

إجهاض «الفصل السابع»

إلى ذلك، لمّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، إلى أن روسيا ستعارض أي قرار للأمم المتحدة يجيز إدخال مساعدات عبر الحدود إلى داخل سوريا، إذا هدّد باللجوء إلى القوة العسكرية لفرض تطبيقه. ويمهّد تصريح لافروف لمواجهة جديدة محتملة بين موسكو والدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن حول الأزمة السورية.
وصاغ أعضاء مجلس الأمن (أوستراليا ولوكسمبورغ والأردن) مسودة قرار، وصفه دبلوماسيو الأمم المتحدة بأنه يشرع إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود عند أربع نقاط من دون موافقة الحكومة السورية. وقال الدبلوماسيون إنّ مسودة القرار تسري عليها أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي سيجعله ملزماً قانونياً وقابلاً للتطبيق باستخدام القوة العسكرية أو غيرها من الإجراءات القسرية مثل العقوبات الاقتصادية.
ورأى الوزير الروسي أنّ بلاده مستعدة دائماً لمناقشة موضوع المساعدات، ولكن «هذه الأمور يجب ألا يجري استغلالها سياسياً أو كذريعة لتأجيج المشاعر وتحريك الرأي العام لدعم الحاجة إلى التدخل الأجنبي في الأزمة السورية». وأضاف: «أعتقد أن هذا الأمر غير مقبول لأننا نعرف الخطط التي يضعها من يقدم مثل هذه الاقتراحات».