بين تركيا والإمارات، منذ عام 2013 وحتى الآن، «ما صَنع الحدّاد». فالعلاقات الثنائية وصلت، في السنوات الأخيرة، إلى أدنى درَك لها. وقد بدأ الخلاف من أحداث «ساحة غيزي» في أيار 2013، واستمرّ مع ظهور فضائح فساد في نهاية العام نفسه، واتّهام الداعية فتح الله غولين، ومِن خَلفه الإمارات، بالوقوف وراءها، وذلك انطلاقاً من الخلاف بين أبو ظبي وجماعة «الإخوان المسلمين» التي تلقّت في حزيران من العام المذكور أيضاً، ضربة قوية بإزاحتها من السلطة في مصر. وفي الوقت نفسه، كانت الإمارات والسعودية متَّهمتين من جانب تركيا بدعم الحركة الكردية في سوريا التي كانت تحتضنها الولايات المتحدة الأميركية. غير أن ذروة التأزّم بلغتها العلاقة مع محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في 15 تموز 2016، حيث اتّهمت أنقرة كلّاً من واشنطن وأبو ظبي والرياض بالوقوف وراءها، بل تَحوّل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في وسائل الإعلام التركية، إلى الرأس المدبّر لكلّ حركة معادية للأتراك. وانسحب هذا التأزّم على كلّ ساحات الخلاف بين البلدين، من مصر وسوريا إلى اليمن والسودان وشرق المتوسط، فيما شكّلت قطر، كما ليبيا، الساحة الأبرز لكباشهما الذي لم ينتهِ بعد، وإن تراجع بعض الشيء في ما يتعلّق بقطر.قبل مدّة، وتحديداً في 19 آب الماضي، زار رئيس الاستخبارات الإماراتية، طحنون بن زايد، بشكل مفاجئ، أنقرة، حيث التقى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في اجتماع لم يَرشَح عنه الكثير. وبالأمس، أدّى محمد بن زايد زيارة كان أُعلن عنها مسبقاً، لتُشكّل أرفع تواصل بين البلدين. وتَذكر صحيفة «جمهورييات»، في هذا الإطار، أن مسار التحسّن في العلاقات بين البلدين كان بدأ مع نهاية عام 2020، بالتزامن مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وانتهاج تركيا سياسات جديدة لتحسين العلاقات مع كلّ من مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل. ومثّل إنهاء المقاطعة الخليجية لقطر حافزاً كبيراً لتركيا لتحسين علاقاتها مع الخليج، ولا سيما الإمارات، حيث بدا مسار الترميم أسرع ممّا سواه. وتلفت الصحيفة إلى أن التصريحات المتبادلة منذ زيارة طحنون ركّزت على تطوير العلاقات التجارية، فيما أعلن الجانبان، قبل يوم واحد من زيارة محمد بن زايد، تشكيل هيئة مشتركة لتعزيز الاستثمارات وزيادة التبادل التجاري.
بدأ مسار التحسّن في العلاقات بين البلدين مع نهاية عام 2020

وتضيف «جمهورييات» أن الضائقة الاقتصادية الحالية التي تمرّ بها تركيا تجعلها منفتحة على كلّ أوجه التعاون، آملة في تدفّق المال الإماراتي عليها، علماً أن الدوحة لم تبخل هي الأخرى على أنقرة بالمال في أحلك الظروف. ولعلّ الظهور المشترك للرجلين، أثناء توقيع الوزراء المختصّين اتفاقيات اقتصادية في تسعة مجالات مختلفة - بعد الاستقبال الرسمي لولي عهد أبو ظبي عند مدخل قصر الرئاسة خلافاً للبروتوكول -، يُعدّ مؤشراً قوياً إلى رغبة تركيا في مبادلة الانفتاح الإماراتي بأقوى منه.
وبالنظر إلى أن آخر تبادل للزيارات بين وزيرَي خارجية البلدين كان في عام 2016، فإن المحلّلين الأتراك لا يجدون بدّاً من وصْف الزيارة الحالية بـ«التاريخية». ويربط هؤلاء بين التقارب الإماراتي - التركي وبين التطوّرات الحاصلة في المنطقة بعد رحيل ترامب، والعودة المحتملة إلى الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، والتداعيات الإقليمية المنتَظرة لذلك، وهو ما يدفع بالإمارات إلى أن تلعب دوراً يوازن الدور الإيراني بالاستعانة بالدور التركي. أيضاً، يربط المحلّلون بين قابلية تركيا للمصالحة، وشرائط الفيديو المتعدّدة التي كان ينشرها رجل المافيا التركي سادات بكر من مقرّ إقامته في الإمارات، والتي تسبّبت بمتاعب لمسؤولي حزب «العدالة والتنمية»، ولا سيما وزير الداخلية سليمان صويلو. وقد جاءت بادرة وقف ظهور بكر على الشاشات من جانب الإمارات كخطوة حسن نيّة، بحجّة أنها تسبّبت لأبو ظبي بـ«مخاطر أمنية».
وترى صحيفة «قرار» المعارضة أن ابن زايد يحمل أساساً في جعبته ملفّات تجارية، أبرزها إنشاء خطّ «ترانزيت» من الإمارات فإيران وصولاً إلى تركيا، ليكون بديلاً من الخطّ البحري المارّ في قناة السويس إلى مرسين، والذي يستغرق المرور عبره 20 يوماً، بينما المرور عبر إيران يستغرق أسبوعاً. وتضيف الصحيفة أن الإمارات مهتمّة بالإنتاج الصناعي العسكري لتركيا، مشيرة إلى أنه حتى في ذروة التأزّم السياسي لم تنقطع العلاقات التجارية بين البلدين. وتعتبر صحيفة «يني شفق» الموالية، والتي كانت رأس حربة ضدّ الإمارات، من جهتها، أن مجرّد حصول اللقاء الحالي بين إردوغان وابن زايد بعد آخر لقاء بينهما في شباط 2012، خطوة مهمّة. وإضافة إلى مناقشة القضايا الإقليمية والدولية والثنائية، فإن الملفّ الأهمّ في المحادثات، بحسب الصحيفة، هو العلاقات التجارية.