على خلفية رؤية الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو إلى المصالحة الفلسطينية من عدة أوجه تراوح بين التهديد والفرصة، فإنها استطاعت إحداث توازن ما في الصورة الخاصة بأسباب إخفاق المفاوضات، فبدلا من التركيز على السياسات الاستيطانية والتصلب الإسرائيلي في قضايا الوضع النهائي، فرضت تل أبيب على المشهد أسبابا من نوع آخر عبر تذرعها بخطوة المصالحة الفلسطينية بين حركتي «فتح» و«حماس».
هكذا، سمح إلقاء تهمة إحباط المفاوضات على السلطة، بتوفير أرضية لرئيس الوزراء الإسرائيلي تسمح له بالجمع بين التسبب الفعلي بإخفاق المفاوضات، وفي الوقت نفسه التمسك بالشعار الترويجي الذي يرفعه حول «حل الدولتين» على أساس رفض قيام دولة ثنائية القومية.
من جهة أخرى، يمكن سياسة الاتهام المتواصل للسلطة بالمسؤولية عن الإخفاق أن تخدم حكومة نتنياهو في تبرير خطوات سياسية لاحقة، قد تؤول إلى تكريس الأمر الواقع، كما تأمل شرائح واسعة في معسكر اليمين، أو خطوات أحادية مفترضة لوح بها نتنياهو قبل أيام.
على هذه الخلفية، ومع اقتراب موعد إعلان حكومة التوافق الفلسطينية، الذي من المفترض أن يكون اليوم إن لم يجر أي تأخير، دعا نتنياهو المجتمع الدولي إلى «منع احتضان حركة حماس، التي تدعو إلى تدمير إسرائيل». وشدد في مستهل جلسة حكومته أمس على أن «احتضان حماس لن يقوي السلام، بل يعزز الإرهاب».
نتنياهو ناشد أيضا من سمّاهم «أصحاب المسؤولية في المجتمع الدولي» بالتروي في الاعتراف بحكومة فلسطينية تعتمد على «حماس». في الإطار نفسه، تعتزم إسرائيل إطلاق حملة دبلوماسية ضد المصالحة ترمي إلى زعزعة الدعم الدولي للحكومة الجديدة. ومن الواضح أن جهوده الدبلوماسية ستتركز على الولايات المتحدة عبر حوار مع الإدارة هناك، أو ممارسة ضغوط على أعضاء في الكونغرس. وضمن جزء من الترجمة العملية لهذه الحملة، فهي وجهت أول من أمس رسالة رسمية إلى السلطة تؤكد فيها أنها لن تسمح لثلاثة وزراء من غزة من المقرر تعيينهم في حكومة الوفاق الوطني، بالوصول إلى حفل أداء القسم في رام الله. في المقابل، أعلن الرئيس محمود عباس أن الطرف الفلسطيني تلقى تحذيرات فيها «أن الإسرائيليين أبلغونا أننا إذا ألفنا الحكومة فسيقاطعوننا»، مستدركا: «سنعلن الحكومة، وهي من المستقلين والكفاءات، وليست من فتح أو حماس أو أي تنظيم آخر»، وفي ما يتعلق بموقف الحكومة الجديدة من إسرائيل، طمأن بالقول: «سياسة الحكومة هي سياستنا، وهذا معناه أنها تتبنى ما نتبناه... الحكومة تعترف بدولة إسرائيل وبالشرعية الدولية». على طرف آخر، أكد «أبو مازن» أن الفلسطينيين سيردون على كل خطوة إسرائيلية، «كما سنرد إذا قررت الحكومة الإسرائيلية وقف تحويل المستحقات المالية للسلطة». ومع أنه لم يفصّل أيا من الخطوات التي ستلجأ إليها السلطة، فإن التقدير أنها لن تشمل التنسيق الأمني مع الاحتلال.
وبينما امتنع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن الرد على مواقف عباس، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن تل أبيب بدأت نهاية الأسبوع الماضي حملة إعلامية مكثفة ضد الحكومة الفلسطينية، مشيرة إلى أنها تَعد كل حكومة تضم «حماس»، حتى لو لم تضم وزراء من الحركة، غير شرعية. وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل ستَعدّ الرئيس الفلسطيني «مسؤولا عن أي أعمال عنف تصدر عن حماس، بما في ذلك إطلاق الصواريخ من غزة».
وهذا نفسه ما نقله موقع «واللا » العبري، عن مسؤول إسرائيلي قال إن عباس ليس شريكا للسلام مع إسرائيل، لأنه قبل حكومة تستند إلى تحالف مع «حماس»، التي يعرّفها المجتمع الدولي على أنها منظمة إرهابية. أما صحيفة «معاريف»، فذكرت أنه برغم محاولات إسرائيل إقناع العالم بوجهة نظرها، فإن الولايات المتحدة وأوروبا لن تتبنيا الموقف الإسرائيلي، وستقبلان الحكومة الجديدة.