بغداد | تكاد المفاجأة التي حملتها القرارات القضائية حول نتائج الانتخابات العراقية تعادل تلك التي أحدثتها الانتخابات نفسها، حين أظهرت انتصاراً كاسحاً لـ»التيار الصدري» إلى جانب حزب «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي المدعوم إماراتياً وسعودياً، و»الحزب الديموقراطي الكردستاني» المعروف الارتباطات، وحاولت قوى إقليمية ودولية تظهير التصويت على أنه اعتراض على العلاقة مع إيران. وقد يكون من نتائج تلك القرارات، وفق ما فسّرها الصدريون وخصومهم على السواء، إحداث انقلاب في النتائج، إلّا أن الطرفين اختلفا على مآلاتها، فاعتبر الأوّلون أنها ستعقّد الأمور أكثر، بينما رأى الأخيرون أنها ستفتح الآفاق لتشكيل حكومة قوية وقادرة
تفتح قرارات الهيئة القضائية للانتخابات العراقية بإلغاء نحو 18% من الأصوات في الانتخابات التي جرت في العاشر من تشرين الأوّل الماضي، الطريق أمام تغيير في النتائج قد يفضي إلى إخراج العراق من الانسداد السياسي الذي وصل إليه، بفعل إصرار «التيار الصدري» الذي فاز بأكبر كتلة لحزب واحد في تلك الانتخابات، على تشكيل حكومة أغلبية، وهو ما ترفضه كل القوى الشيعية الأخرى، التي تقول إن الانتخابات شهدت تزويراً واسع النطاق.
لم يكن الانسداد السياسي ناجماً فقط عن خلافات بين قوى عراقية على شكل الحكومة، بين أن تكون توافقية، أو حكومة أغلبية تقابلها أقليّة معارِضة في مجلس النواب، وإنّما على موقع البلد السياسي داخل الإقليم وعلاقاته مع العالم، وهو ما دفعت إليه قوى إقليمية، خليجية خصوصاً، وأخرى دولية، أميركية خصوصاً، في إطار سعيها إلى استخدام العراق ساحة ضدّ إيران. وتشكّل القرارات القضائية، بإلغاء التصويت في 10 آلاف محطّة اقتراع من أصل 55 ألف محطة في كل العراق، ضربةً لصدقية المفوضية العليا للانتخابات، التي اتّهمتها الأطراف المتضرّرة بالمساهمة في التزوير والعمل لمصلحة قوى بعينها بتوجيه من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وبالاتفاق مع جهات إقليمية ودولية.
وإذا ما تغيّرت نتائج الانتخابات، كما يسلِّم الصدريون أنفسهم، فإن أبرز تبعاتها ستكون التخفيف من الهالة التي أحاطت بزعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، الذي خرج من الانتخابات بمشروع لحكم العراق، يقول إنه يريد الابتعاد به عن التجاذبات الإقليمية والدولية. وهذا ما يفسّر إصراره على تشكيل حكومة أغلبية يعيّن رئيسها بنفسه، ويكون هو مرشدها في السنوات الأربع المقبلة. هذا المشروع الذي يتضمَّن إحداث تحوّل في الدولة العميقة من خلال فتح باب التوظيف وفق معايير يضعها التيار، واجه معوّقات قبل قرارات الهيئة القضائية، مِن مِثل تردُّد ممثّلي السنّة والأكراد في المشاركة معه في حكومة أغلبية، نظراً إلى عدم اقتناعهم بقابلية مثل هذه الحكومة للحياة، ما جعل الصدر نفسه أمام مأزق، وطرح احتمال ذهابه إلى المعارضة وحيداً، وهو السيناريو الذي قد يتعزّز، إذا ما أدّت إعادة الفرز إلى انقلاب في النتائج.
«الفتح»: سوف نلاحظ تشكيل حكومة قوية قادرة على عبور الواقع المرير


وتعليقاً على القرارات القضائية، قال عضو «مكتب الشهيد الصدر»، الشيخ صادق الحسناوي، في حديث إلى «الأخبار»، إن»إلغاء نتائج عشرة آلاف محطة سيغيّر بلا شكّ كثيراً الخريطة البرلمانية ويقلب النتائج والموازين، لكنه سيفتح الباب أيضاً أمام طعون أخرى؛ منها الطعن بصحة هذا الإجراء نفسه ومدى شرعيته وشرعية الآثار المترتّبة عليه، ما سيعود بالأمور إلى النقطة الصفر، ونصبح تالياً أمام اعتراض على الاعتراض، وهلمّجرا!»، معتبراً أن «هذا الإجراء سيعقّد الأمور أكثر ويضع المفوضية أمام سهام النقد والتشكيك بنزاهتها وصدقيتها وخضوعها لضغوط أدّت إلى إحداث تسوية في النتائج، قاربت بين مقاعد القوى السياسية وأحدثت توازناً في أرقامها». ورأى أن «هذا الإجراء يمثّل صدمة أخرى للشارع العراقي الذي يمنّي النفس بانتخابات تعلن نتائجها سريعاً ولا تدخل البلاد في دوّامة كالتي سادت طوال الدورات البرلمانية السابقة، ولكن للأسف يبدو أن هذا الحلم بعيد المنال في وقتنا الراهن». وأقرّ القيادي الصدري بانسداد الأفق أمام تشكيل حكومة جديدة، قائلاً: «حتى هذه اللحظة، لم نسمع عن تحالف بصورة رسمية، ولا يوجد سوى تصريحات هنا وهناك كاشفة عن انتظار الجميع للنتائج النهائية»، معتبراً أن «التوازن المكوّناتي محفوظ، لكن الكلام في التحاصص الحزبي هو لبّ المشكلة القائمة. وما اعتقده هو أن الحوارات ستؤدّي إلى نتائج لا تشبه تلك التي تشكَّلت بموجبها الخريطة السياسية سابقاً».
الانزعاج الصدري قابله ارتياح بالغ من قِبَل الطاعنين في نتائج الانتخابات، إذ اعتبر القيادي في «تحالف الفتح»، علي الفتلاوي، أن «القرارات الأخيرة التي صدرت عن الهيئة القضائية ما هي إلّا مؤشر إيجابي للقضاء، وقد نظر بعين القانون الحقيقي دون ضغوط، واتّضح أن هناك الكثير من الخروقات التي وضع يده عليها». وفي تقييم متوافق مع التقييم الصدري، رأى الفتلاوي أن «هناك مؤشرات كبيرة سوف تُرى بالعين المجردة بعد إكمال العدّ والفرز. و10 آلاف صندوق كفيلة بقلب الموازين». كما توقّع أن تؤدّي إعادة الفرز إلى فتح الأفق أمام تشكيل الحكومة الجديدة، قائلاً إنه «بعد عبور مربّع المشكلة الذي وضعته المفوضية أمام الأحزاب والتيارات التي سُرقت أصواتها جهاراً نهاراً، والتي سوف تُعاد لها قانوناً، سوف نلاحظ تشكيل حكومة قوية قادرة على عبور الواقع المرير الذي يمرّ به العراق الآن». وأكد «(أننا) لا نحتاج إلى تصدّق علينا أو محاباة لإلغاء المحطات أو ثبوتها، بقدر ما نحتاج إلى إعادة الحقّ إلى أهله الذين باتت لديهم الأدلّة التي تقنع مَن في عينه حَوَل ومَن في عقله مسّ». وذهب بعض الأصوات على جهة المعترضين على نتائج الانتخابات إلى المطالبة بإلغاء هذه النتائج برمّتها. وفي أوّل التغييرات نتيجة العدّ اليدوي، أُلغي فوز المرشّح المستقل عن محافظة بابل، أمير المعموري، وأُعلن فوز صادق المدلول، المرشح عن «تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم المنضوي في تحالف «قوى الدولة».