الحسكة | لم تكتفِ الولايات المتحدة الأميركية بالتسبّب بخسارة كمّيات كبيرة من القمح في الخزّان الزراعي السوري في شرق البلاد، من خلال إشعال حرائق عامَي 2019 و2020 في حقول القمح الشاسعة هناك، سواءً عبر إلقاء بالونات حرارية، أو تجنيد أفراد من قِبَلها لتنفيذ المهمّة، بل تستكمل مساعيها اليوم لتخريب عملية إنتاج القمح في سوريا، التي تعاني منذ سنوات من عوائق عديدة في تأمين حاجتها من هذه المادّة، بسبب سيطرة «قسد» على مناطق زراعية شاسعة، واستغلال نفوذها للضغط على المزارعين لعدم تسليم محاصيلهم للدولة. وفي هذا السياق، وبحجّة مساعدة المزارعين السوريين بعد موسم الجفاف الذي ضرب البلاد العام الفائت، بدأت القوات الأميركية توزيع نحو 3 آلاف طنّ من بِذار القمح مجّاناً في محافظة الحسكة، في ما يبدو أنه يستهدف كسب ودّ السكّان باستغلال الشحّ الذي يعيشونه، وصعوبة إيصال البذار الحكومية عالية الجودة إليهم، بسبب منعهم من قِبَل «الإدارة الذاتية» من التعامل مع الجهات الحكومية. لكن في ما وراء ذلك التودّد، يبدو أن ثمّة محاولة أميركية لنقل آفات زراعية مضرّة بالتربة إلى الأراضي السورية، الأمر الذي يهدّد بتدمير قدرات سوريا الزراعية على المديَين المتوسّط والبعيد، بعدما كانت تُحقّق شبه اكتفاء ذاتي من القمح على مدى سنوات طويلة.وكانت الولايات المتحدة أعلنت، عبر الحساب الرسمي للسفارة الأميركية في دمشق، أن «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ستوزّع ما يقرب من 3000 طن من بذور القمح عالية الجودة على المزارعين في شمال شرق سوريا، مع بدء موسم زراعة القمح». وأضافت: «ستدعم هذه البذور مئات المزارعين لإنتاج ما يقرب من 32 ألف طن من القمح العام المقبل، ما يضمن حصول السوريين على الدقيق والخبز ومنتجات القمح الأخرى لإطعام أسرهم ومنع المزيد من الأزمات الاقتصادية». وفي المقابل، شكّكت مصادر محلية ورسمية في تلك النوايا، انطلاقاً من اتهامات سابقة للولايات المتحدة بسرقة بذار سوريّة نادرة من «المركز الدولي للبحوث الزراعية» (ICARDA) في حلب، وتسبّبها بأضرار جسيمة للاقتصاد السوري عبر استمرار إيقاع العقوبات على سوريا وما ولّدته من ضغوط إضافية على المزارعين، فضلاً عن مسؤوليتها عن حرائق حقول القمح. وردّت وزارة الزراعة السورية على الإعلان الأميركي عبر تحذير «المزارعين من زراعة بذار قمح غير معروف المصدر (مهرّب) لاحتمال إصابتها أو نقلها للعديد من الآفات»، لافتة إلى أنه «لدى المؤسسة العامّة لإكثار البِذار 70 ألف طنّ من بذار القمح، تمّ تجهيزها لتنفيذ الخطة الزراعية للموسم القادم، بالإضافة إلى وجود 20 ألف طنّ احتياطيّة، وكلّها تكفي احتياجات الأخوة الفلّاحين من البِذار المغربل والمعقّم والمضمون المواصفات والنوعية والسلامة من الآفات». ونبّه معاون مدير وقاية النبات في وزارة الزراعة، حازم الزيلع، بدوره، إلى أن «إدخال أيّ كمية من القمح من الجانب الأميركي غير شرعي، ويتضمّن مخاطر من ناحية الصنف والنوع، واحتمال إدخال آفات حَجْرية مثل نيماتودا المنتشرة في أميركا، والعديد من الأمراض النباتية، وخصوصاً البكتيرية». وأشار الزيلع إلى أن «للآفة الحجرية منعكسات سلبية محتملة على اقتصاد البلاد أو على منطقة فيه»، مُعلِناً «تشكيل لجنة في وزارة الزراعة بهذا الخصوص لتوجيه المزارعين لعدم زراعة أيّ صنف غير معروف المصدر، وزراعة بذار من إنتاج مؤسسة إكثار البذار أو من إنتاج المزارع نفسه في العام الماضي، إضافة إلى القيام بغربلة البذار ميكانيكياً أو آلياً قبل الزراعة للتخلّص من البذار المصاب».
من جهته، يَعتبر الخبير الزراعي، رجب السلامة، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الأمر خطير، ولا يُستهان به، ويشكّل خطراً مستقبلياً كبيراً على الأراضي الزراعية في عموم المنطقة»، مستدركاً بأن «مدى الخطورة تحدّده مراكز البحوث العلمية الزراعية التي يجب أن تُفحص فيها البذار، لمعرفة طبيعتها وما إذا كانت سليمة أو مصابة». ويرى السلامة أن «الشكوك المُثارة حول هذه البذار الأميركية في مكانها، لاستحالة تقديم الولايات المتحدة أيّ خدمة مجاناً»، مضيفاً أنه «لو كانت واشنطن صادقة في مسألة الدعم، لاشترت القمح محلياً أو من دول الجوار، ولم تورّده من أراضيها خصيصاً إلى سوريا». ويحدّد الخبير الزراعي نوعية الأمراض التي من الممكن أن تحملها البذار بـ«آفة نيماتودا، وهي عبارة عن ديدان شعرية دقيقة لا تُرى بالعين المجرّدة، تستوطن التربة، وتنتقل منها إلى الحقول بسرعة، ما يهدّد بكارثة حقيقية على الزراعة في البلاد»، مبيّناً أن «هذه الديدان لم تصل إلى سوريا من قَبل، ولم تتأقلم معها التربة السورية، ولا توجد لها أيّ مكافحة»، متابعاً أن «آفات أخرى كالصدأ والفطور والذبول، عادةً ما تحملها أيضاً البِذار المصابة، ما يشكّل تهديداً أقلّ خطورة من الديدان، في حال كانت تحملها البذار الأميركية المزعومة».