ريف دمشق | «في البداية تواصلنا مع المعنيين لإدراج المدينة ضمن أكثر المناطق المستهدفة بتفجيرات السيارات المفخخة، فتبيّن لنا أن بغداد حطّمت الرقم. الآن يجري التواصل لإدراجها ضمن أكثر المساحات السكنية تعرضاً لقذائف الهاون»، يقول أحد الشبان المشاركين في مبادرة لإدراج مدينة جرمانا في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية. ويوضح لـ«الأخبار»: «نحن سبعة شباب بدأنا العمل منذ بداية العام الجاري. في البداية، توجهنا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لتقود التواصل، فلم نلقَ دعماً مناسباً، فبادرنا إلى ذلك بأنفسنا».
أما عن الخطوة التي تقدم عليها المجموعة، فيشدد الشاب على أن «الهدف من العملية رمزي في الدرجة الأولى. ففي رأينا، يجب أن يدرك العالم كله حجم الضغط والآلام التي تعرضت لها المدينة جراء الصراع المسلح في البلاد».
وبالتزامن مع دخول مدينة المليحة، تدريجاً، في الحراك المسلح، بدأت التغييرات تطاول بنية مدينة جرمانا، بحكم المسافة التي لا تزيد على كيلومترين بين المنطقتين. بدايةً، استهدفت المدينة بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي غالباً ما كانت تُفجَّر في الشارع العام للمدينة. وبالتوازي مع كثافة التفجيرات طوال عام 2012، بدأت تخرج الى العلن اتهامات لبعض عناصر «اللجان الشعبية» بالتنسيق مع المسلحين، وتسهيل عبور المتفجرات على الحواجز المنتشرة على أطراف المدينة. وكان أكبر تفجير تعرضت له المدينة، قد حصل في 29 تشرين الثاني عام 2012، عندما انفجرت سيارتان على التوالي في ساحة السيوف، ما أدى إلى 56 شهيداً وأكثر من 127 جريحاً.
«بالطبع، كان هناك اختراقات، ولعل اعتقال حسين شعيب خير دليل على ذلك، إذ وجّهت إليه اتهامات بالتعامل مع مسلحي المليحة، وهذا ما يدل على حجم الخرق الحاصل في صفوف اللجان»، بحسب ما يروي أبو منير، أحد سكان الحي، عن أحد قادة «اللجان» في المدينة.

بات الخروج ليلاً مفضلاً
لأن عمليات إطلاق الهاون تقلّ
ومع كل احتقان جديد، كان مشايخ المدينة و«الهيئة الروحية» يحافظون على خطابهم الساعي إلى «نبذ كافة وسائل العنف، والاحتكام جميعاً إلى لغة الحكمة والتعقل والأخلاق، من خلال حوار صادق، عميق، وهادئ». لكن كل هذا لم يفلح. فمع ارتفاع موجة التسلح في مدينة المليحة، وبالتزامن مع بدء تصنيع قذائف الهاون فيها عام 2013، أصبحت جرمانا تحت مرمى المعارضة المسلحة طول الوقت. يقول أبو فراس (54 عاماً)، النازح من المليحة إلى جرمانا، إنّه «لم يختلف شيء. بدل أن يسقط 50 شهيداً خلال يوم واحد، أصبح العدد مضاعفاً على مدار الأسبوع. لم يكتف هؤلاء بتهجيرنا. باتوا يلاحقوننا حتى في أماكن النزوح».
ومع كثافة سقوط الهاون في ذلك العام، تغيّرت العديد من التفاصيل في حياة المدنيين. بات الخروج ليلاً أمراً مفضّلاً لهم، لأن عمليات إطلاق الهاون تقلّ بنسبة كبيرة نتيجة سهولة الكشف عن مصادر الإطلاق، فيما بقي الموظفون وأصحاب المحال التجارية تحت رحمة الصدفة اليومية. يقول الشاب الجامعي عامر بدرة: «كنا نعد خطواتنا، ونحسب أماكن سيرنا بحذر شديد. كل تلك المحاولات كانت عبثية وكنا نعلم ذلك جيداً، إلا أنه ما من سبيل إلا لالتزام القواعد التقليدية للسلامة».

الرصاص المتفجر... لمواصلة الضغط

بعد العملية الأخيرة التي شنّها الجيش السوري في مدينة المليحة، «تنفّس» أهالي جرمانا بعض الشيء. حركة المدنيين باتت أسهل. إلا أنه لا يمكن القول إن الحياة عادت إلى طبيعتها، إذ عمد مقاتلو المعارضة في المليحة إلى «تصويب الأسلحة المضادة للطيران في اتجاه المدينة». وحسب مصدر عسكري فإن «الرصاصة حين تقطع هذه المسافة في الهواء، يزداد وزنها إلى ما يزيد على كيلوغرام، نتيجة للضغط الذي تتعرض له، وحين تسقط أرضاً تصدر صوتاً عالياً جداً، وتستطيع أن تصيب اشخاصاً عدة في حال انفجارها. وكل هذا متوقف على نوع الرصاص المستخدم».