صنعاء | تمكّنت حكومة صنعاء، خلال الساعات الـ72 الماضية، من فرْض سيطرتها على معظم مديريات جنوب مدينة الحديدة، إثرَ انسحابٍ جماعي مفاجئ للميليشيات الموالية للإمارات في الساحل الغربي لليمن. وهو انسحابٌ جرى من دون تنسيق مع حكومة عبد ربه منصور هادي، ومن دون علم قائد "القوات المشتركة" الذي يشغل منصب رئيس أركان هادي في مأرب، الفريق صغير بن عزيز، وهو ما عزاه مراقبون إلى "الصراعات الداخلية" التي تعيشها هذه القوات في الساحل الغربي، والتي يصل قوامها إلى أكثر من 31 لواءً عسكرياً موزّعة على "حرّاس الجمهورية" (13) التي يقودها العميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح؛ ألوية "المقاومة التهامية" (5)، "قوات العمالقة" (13)، يضاف إليها أربعة ألوية مشاة تتبع وزير الدفاع الجنوبي السابق، اللواء هيثم قاسم طاهر. على أن هذه الميليشيات الموالية للإمارات، والتي لا يعترف معظمها بشرعية حكومة هادي، تعيش، منذ أكثر من عام، حالة صراع داخلي، خلفيته محاولات السيطرة على قرارها وإخضاعها لقيادة طارق صالح. فمنذ مطلع العام الجاري، خاضت هذه التشكيلات صراع سيطرة ونفوذ في الساحل الغربي ومديريات جنوب الحديدة، أدّى إلى احتدام الخلافات في أوساطها، حتى وصلت إلى المواجهات والاعتقالات ومحاولات الاغتيال.عملية الانسحاب التي بدأت فجر الخميس، بإخلاء "القوات المشتركة" كل مواقعها المتقدِّمة في الأحياء الشرقية والغربية لمدينة الحديدة، امتدّت إلى التحيتا وأطراف الخوخة وحيس. ووفق مصادر في القوات المنسحبة، تمّ تكديس الميليشيات عند أطراف مدينة المخا والخوخة، مع تَقدُّم الجيش و"اللجان الشعبية" للسيطرة على مدن التحيتا والفازة والدريهمي ومحيط مدينة حيس جنوب الحديدة. وبينما وضعت "القوات المشتركة"، الانسحاب في إطار "عملية إعادة التموضع خارج مناطق اتفاق استكهولم" لكن الانسحاب شمل مناطق غير منضوية في إطار الاتفاق المذكور، وجرت من دون إبلاغ احد من حلفاء الامارات بالخطوة. ما دفع برئيس حزب "المؤتمر الشعبي العام" في محافظة الحديدة، عصام شريم، إلى اتهام الإمارات بانها صارت قوّة احتلال في اليمن، وتستخدم الملفّ اليمني للمقايضة في ملفّات إقليمية أخرى، داعياً حكومة هادي إلى التحقيق في عملية الانسحاب التي شهدتها مواقع جنوب مدينة الحديدة وشرقها.
"ألوية العمالقة" تعيش صراعاً داخلياً من جهة، وصراعاً مع ميليشيات طارق صالح من جهة أخرى


لكن يبدو أن هناك مشكلة تعاني منها الميليشيات الجنوبية، ساهمت في قرار الإمارات. فـ"ألوية العمالقة" تعيش صراعاً داخلياً من جهة، وصراعاً مع ميليشيات طارق صالح من جهة أخرى. كما ساد التوتّر العسكري بين "العمالقة" في الساحل الغربي وألوية "حراس الجمهورية" من جانب، و"المقاومة التهامية" بقيادة عبد الرحمن حجري، من جانب آخر. ولأن طارق صالح يحتفظ بعلاقات جيدة مع الجانب الأميركي منذ أن كان أحد مسؤولي ملفّ "مكافحة الإرهاب" في عهد عمّه الرئيس علي عبدالله صالح، جرى تهميش وإقصاء "ألوية العمالقة" و"المقاومة التهامية". ويريد طارق صالح تسويق الميليشيات التي يقودها أمام المجتمع الدولي على أنها درع واقٍ للملاحة الدولية في مضيق باب المندب، بسبب وجودها العسكري في جزيرة ميون الاستراتيجية المطلّة على المضيق الاستراتيجي، وإن كان دورها، وفق مصادر محليّة، لا يتعدّى حماية القوات الإماراتية والأجنبية الموجودة في الجزيرة. مع الاشارة الى ان ابو ظبي تدعم صالح في مواجهة قيادة "العمالقة" التي يغلب عليها تقلُّب الموقف وعدم الإذعان الكامل لتوجيهاتها، وهو ما اضطرّها لوقف صرف رواتب هذه الميليشيا.
كذلك، عانت "المقاومة التهامية" من إقصاء وتهميش وتفكُّك من الداخل، بعدما رفض قائدها، عبد الرحمن حجري، الخضوع لسلطة طارق صالح الذي حاول مرات عدة إطاحة حجري من قيادة "المقاومة التهامية" وتنصيب قائد آخر موالٍ له، بعدما تطوّر الصراع بينهما إلى اعتقالات متبادلة طاولت عناصر من الطرفين واقتحامات لمباني حكومية في مدينة الخوخة.
وعلى مدى السنوات الماضية من الحرب الدائرة في الساحل الغربي لليمن، دفع طارق صالح بالميليشيات الجنوبية المنضوية تحت "ألوية العمالقة" إلى الصفوف الأمامية في محيط مدينة الحديدة والدريهمي، وسيطرت "المقاومة التهامية" على التحيتا والخوخة وحيس والفازة وميناء الحيمة البحري، بينما كانت ميليشياته، "حراس الجمهورية"، موجودة في معسكر أبو موسى الأشعري في الخوخة والمناطق المحيطة بمدينة المخا غرب تعز، وفي مناطق مطلّة على مضيق باب المندب: كهبوب وموزع والوازعية. ووفق مصادر محلية، وجّه طارق صالح قائد قوات المشاة، اللواء هيثم قاسم طاهر، قبل أكثر من شهر، بنقل قواته إلى تخوم مدينة الحديدة، ونشْر ميليشياته في الوازعية عوضاً عن القوات الجنوبية. واعتبر المصدر أن نقْل القوات وإعادة تموضع "حراس الجمهورية" في جبهات خلفية غير ملتهبة، "تكتيك عسكري ومقدّمة لما حدث من انسحاب". فقوات المشاة التي يقودها طاهر، كانت أوّل الألوية المنسحبة من الأحياء الغربية والشرقية لمدينة الحديدة، بعدما خسرت المئات من القتلى والجرحى. وبدا لافتاً أن عدداً من الألوية التي انسحبت من مديريات جنوب الحديدة سبق لها أن حاولت الانسحاب والعودة إلى المحافظات الجنوبية، لكنها اصطدمت باشتراط قيادة "القوات المشتركة" عليها تسليم كلّ أسلحتها الثقيلة والمغادرة من دون سلاح، فشكّل التوجيه بالانسحاب بالنسبة إليها فرصة، لأن الانسحاب مع معدّاتها الثقيلة يعني الحفاظ على كيانها في المحافظات الجنوبية.