الخرطوم | عشية تظاهرة «مليونية» دعا إليها رافضو الانقلاب في السودان اليوم، اتّخذ عبد الفتاح البرهان خطوة جديدة على طريق محاولاته تسويق انقلابه لدى الأطراف الغربيين، وهو ما تجلّى خصوصاً في ضمّه ممثّلي أقلّيات ومتصهينين إلى مجلس السيادة الجديد الذي شكّله بزعامته. وإذ لم تلقَ خطوته تلك إلّا الرفض على جبهة الأحزاب والقوى المُطاح بها منذ 25 تشرين الأوّل المقبل، فهو يُظهر، على رغم ذلك، عزماً على المُضيّ في تثبيت سلطته، ولو تطلّب الأمر دوّامة عنف جديدة، يبدو أنها حاول إكسابها شرعية مسبقاً، عبر استيلاد كيان هجين سيكون من مهامّه إصدار أيّ أوامر مستقبلية باستخدام القوّة
استبق قائد الانقلاب العسكري في السودان، عبد الفتاح البرهان، التظاهرات المنتظَرة اليوم تحت شعار «مليونية إسقاط المجلس العسكري الانقلابي»، بتشكيل مجلس سيادي جديد، على طريق محاولاته إعادة إشراك المدنيين في السلطة، ولو بالتحايُل، في وقت لا يزال فيه مئات السياسيين في المعتقلات، ومن ضمنهم رؤساء أحزاب ونقابيون ووزراء في الحكومة المعزولة، التي يقبع رئيسها، عبدالله حمدوك، في الإقامة الجبرية في منزله. وفي قراءتها لخطوة البرهان، رأت فيها «قوى الحرية والتغيير» محاولة لـ«قطع الطريق أمام الجهود الداخلية والخارجية لتجاوز الأزمة وعودة الأمور إلى نصابها»، عادّةً قراره إنهاء تجميد بعض مواد الوثيقة الدستورية، «عبثاً لا يستحق الالتفات إليه، باعتبار أن القرارات صادرة عن وضع غير دستوري». من جهته، ناشد المتحدّث باسم «تجمّع المهنيين السودانيين»، مهند مصطفى النور، السودانيين «التصعيد ضدّ المجلس السيادي الجديد وإسقاط الانقلاب والمكوّن العسكري، والعمل على إعادة الجيش إلى ثكناته، وإخلاء المجال السياسي للمدنيين»، فيما وصف وزير الثقافة والإعلام المعزول، حمزة بلول، قرار البرهان الجديد بأنه «امتداد للإجراءات الانقلابية»، معرباً عن ثقته «بقدرة الشعب السوداني على حسم الانقلاب وتصفية آثاره واستعادة كلّ مكتسبات ثورة ديسمبر المجيدة».

ممثّلو أقاليم مغمورون
ويلفت الناشط السياسي في «المقاومة الشعبية»، عبدالله أبكر، إلى أن تشكيل البرهان مجلساً سيادياً جديداً، مع الإبقاء على المكوّن العسكري وقادة الحركات المسلّحة وممثِّلة الأقلّية القبطية رجاء نيكولا عبد المسيح، كان «أمراً متوقّعاً، لجهة أن هذه المكوّنات، عدا ممثّلة الأقباط، وهي حالة استثنائية خاصة، تؤيّد خطوته». ويضيف أبطر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المدنيين الذين عيّنهم البرهان في مجلسه، مدّعياً أنهم يمثّلون أقاليم السودان المختلفة، لا أحد يعرف عنهم شيئاً، وليست لديهم قواعد جماهيرية أو خبرات سياسية، وبعضهم عمل مع النظام السابق حتى سقوطه». وحول تعيين أبو القاسم برطم (النائب السابق في آخر برلمان في عهد المخلوع عمر البشير)، المؤيّد لإسرائيل والذي تعتبره غالبية الشعب السوداني خائناً وعدواً، فيرجّح أبكر أن يكون تعيينه «فرضاً من الموساد الإسرائيلي على المجلس، أو جرى من قِبَل البرهان وحميدتي إرضاءً لإسرائيل».
ضمّ المجلس السيادي الجديد أبو القاسم برطم، أحد أبرز دعاة التطبيع مع إسرائيل


ولا يساور أبطر الشكُّ في أن الانقلابيين، على رغم عزمهم المضيّ قُدُماً في تثبيت أركان حكمهم، «سيواجهون مقاومة شديدة ومستمرّة، فالشارع يرفضهم رفضاً قاطعاً، ومستعدّ للتضحية من أجل استعادة الانتقال الديمقراطي»، متابعاً أنه أمام هذا الوضع «ليس أمام الانقلابيين سوى العمل على تأسيس شرعية قائمة على القمع والعنف والإرهاب، ولربّما ستجري إعادة تشكيل وحدة العمليات المحلولة التابعة لجهاز أمن ومخابرات البشير، المتخصّصة في قمع وتعذيب المعارضين، وقد جرى حلّها بعد سقوط النظام مباشرة وتسريح أعضائها من كوادر الإخوان المسلمين، أو إيكال الأمر إلى ميليشيا الدعم السريع المتَّهمة بارتكاب مذبحة فضّ اعتصام القيادة العامة»، مستدركاً بأن هذه الإجراءات، إن حصلت، فلن تجدي نفعاً بعد أن «تحوّلت المقاومة الثورية إلى فعل يومي وأسلوب حياة لمئات الآلاف من الشباب».

شرعنة العنف
بدورها، تعتقد الباحثة السياسية، رانيا الفاتح، أن قرار تعيين مجلس سيادي جديد، قبل احتجاجات 13 تشرين الثاني، يستهدف «إكساب العنف نوعاً من الشرعية، بحيث تَصدر أوامر استخدام العنف المفرط تجاه المتظاهرين عن مجلس السيادة عوضاً عن قيادة الجيش». وتعتبر الفاتح، في تصريح إلى «الأخبار»، أن هذه الخطوة «تغلق الباب أمام الوساطات الداخلية والخارجية الساعية لإيجاد معادلة أو تسوية سياسية جديدة، تعيد الأوضاع إلى صيغة ما قبل الانقلاب». وترى أن الانقلابيين من جهة، وأنصار التحوّل المدني الديمقراطي من الجهة المقابلة، «قرّروا خوض المعركة حتى نهايتها»، مضيفة أن رافضي الانقلاب سيجدون أنفسهم في «مواجهة طويلة ومكلفة أمام عدّة جهات مسلحة، مثل الجيش الحكومي وميليشيا الدعم السريع (الجنجويد) والميليشيات التابعة للحركات المسلّحة الموقِّعة على اتفاق جوبا وميليشيات نظام الإخوان المسلمين». ولذا، تعرب عن خشيتها من أنه «إذا لم تتمكّن التجمّعات المدنية والثورية من إسقاط الانقلاب واستعادة المجال السياسي بسرعة، فإن السودان سيشهد حروباً أهلية طاحنة، ما سيفضي إلى تفكيك الدولة السودانية الهشّة، وتحويل البلاد إلى ساحة معركة ضروس بين لوردات الحرب والقبائل وساحة لكلّ الحركات الجهادية والمتطرّفة من كلّ أنحاء العالم».
من جهته، يعتبر المحلّل السياسي، محمد إبراهيم، أن القرارات الأخيرة «ستؤدي إلى تقوية المعارضة، إذ يُتوقَّع تشكيل تحالف موسّع للمعارضة، يضمّ إلى جانب الأحزاب السياسية المدنية، ولجان المقاومة الثورية وتجمع المهنيين، حركتَي جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، اللتين لم تُوقّعا على اتفاق جوبا للسلام، وناهضتا الانقلاب في بدايته، ودعتا جماهيرهما إلى الخروج ضدّه». ويضيف إبراهيم، في حديث إلى «الأخبار»، أن هذا التحالف، في حال تأسيسه، «سيحظى بدعم شعبي كبير ومساندة دولية». في المقابل، يرى أن «الانقلابيين سيعيدون البلاد إلى زمن العزلة الدولية التي عانى منها الشعب السوداني زهاء عشرين عاماً في ظلّ النظام البائد»، بعد أن هدّدت كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الغربية ومؤسّسات التسليف العالمية كالبنك والصندوق الدوليَّين بالتخلّي عن تعهداتها بإعفاء السودان من الديون وإقراضه، إذا لم تَعُد الحكومة المدنية بقيادة حمدوك، كما هدّدت بإعادة فرض الحصار الاقتصادي على البلاد مُجدّداً.