قد يصح وصف الثناء والتزلف الذي أظهره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه قادة المستوطنين، أول من أمس، بأنه جزء من محاولة إقناعهم ببعض المواقف التكتيكية التي قد تفرضها ظروف دولية. ومن هذه الظروف تأجيل مناقصة تتصل بالبناء في المستوطنات، أو ضريبة كلامية توجب منه الحديث عن الاستعداد لتقسيم «البلاد». أما مع التدقيق في محتوى الكلام الذي أدلى به ومقارنته بأدائه العملاني، فيتأكد أن هناك تعبيراً عن حقيقة موقفه وسلوكه السياسي، وخاصة عندما أوضح لهم أنه «يحارب من أجلهم»، وأنه «لا يوجد أكثر منه يعمل على حماية مصالحهم».
وكشف نتنياهو للمستوطنين، خلال اللقاء الذي شارك فيه رموز وغلاة الاستيطان في الضفة المحتلة، جانباً من التكتيك الذي يتبعه في مواجهة تحميل إسرائيل مسؤولية إخفاق المفاوضات مع السلطة، على خلفية سياستها الاستيطانية، بالقول: «الجميع يقولون إن عملية التسوية عالقة بسبب المستوطنات. فأرد عليهم: هذا غير صحيح، والسبب هو رفض الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية».
أما عن توظيف «كشف الحساب» الذي قدمه رئيس الورزاء أمام قادة المستوطنين، فقد ذكرت تقارير إعلامية عبرية أن نتنياهو أصدر تعليماته بتأجيل بتّ مناقصات البناء في المستوطنات خوفاً من ردود فعل دولية وتعرض تل أبيب لعقوبات بعد إخفاق المفاوضات مع الفلسطينيين. في السياق نفسه، لفت مراقبون إسرائيليون إلى أن إلغاء الحكومة الألمانية هِبة مالية لتمويل صفقة سفن صواريخ مهمتها حماية منشآت الغاز في عرض البحر، كانت أولى نتائج تعرقل المفاوضات، وخاصة بعد تلميحات من جانب الولايات المتحدة بتحميل إسرائيل مسؤولية الإخفاق بالعزو إلى البناء الاستيطان. على صلة مع ذلك، توقفت وسائل الإعلام العبرية عند تجاهل الرئيس الأميركي باراك اوباما على غير العادة ذكر إسرائيل أو عملية التسوية في الشرق الأوسط. وهنا أوردت صحيفة «هآرتس» مقالة تحت عنوان «عملية السلام اختفت من خطاب أوباما»، ونقلت عن مسؤول في الإدارة الأميركية قوله إن أوباما «خصص خمسة آلاف كلمة لعرض السياسة الخارجية لبلاده في السنوات المقبلة، لكنه لم يتطرق بكلمة واحدة إلى الذي كان يعتبره حتى مدة قصيرة أهم اهتمامات واشنطن». وبرغم أن هذا المسؤول اعتبر أنه لم يكن ممكناً التطرق إلى كل القضايا الخارجية في خطاب واحد، فإنه أضاف: «هذا لم يكن السبب الوحيد لتجنب ذكر عملية السلام، بل أوباما لا يرى حاجة إلى التطرق إلى إخفاق بارز في قائمة النجاحات التي عددها، كذلك لا ينوي تقديم مبادرة جديدة للتقريب بين إسرائيل والفلسطينيين بعد أن سئم».
على المستوى السياسي الداخلي، رأت مسؤولة ملف المفاوضات ووزيرة القضاء، تسيبي ليفني، في دعوة رئيس البيت اليهودي نفتالي بينيت، إلى ضم مناطق «ج» إلى إسرائيل، فرصة لتسجيل موقف يقدمها كأنها لا تزال تناضل من أجل التسوية داخل الحكومة، وخاصة أنها تواجه، بعد توقف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، إشكالية في إضفاء شرعية على تبرير استمرارها في حكومة يمينية. وأعلنت ليفني أنها لن تكون شريكة في حكومة تضم مناطق من الضفة، مضيفة أن هؤلاء (اليمين المتطرف) ومن بينهم بينيت، «يفضلون أرض إسرائيل الكبرى على إسرائيل اليهودية الديموقراطية»، وأنهم «يمثلون أقلية في الجمهور»، علماً أن رئيس «يوجد مستقبل» يائير لابيد أعلن موقفاً مماثلاً في هذه القضية.