مع تواصل حراك الوساطات في الخرطوم، أمكن، وفق ما تفيد به المعطيات، تحقيق «خرقٍ» يبقي العسكر المستحكم بزمام الحُكم، رابحاً، بعد أن تُنفَّذ الشروط التي وضعها قائد الانقلاب، عبد الفتاح البرهان، ويبدو أنها أقنعت في جانب منها «المجتمع الدولي»، الذي بات متيقّناً من أن العودة بالوضع إلى ما كان عليه عشيّة الانقلاب، في ظلّ تهشّم الشراكة بين المكوّنَيْن العسكري والمدني، لن تكون واردة. ويتمظهر ما سبق في إعلان المبعوث الأممي إلى السودان، فولكر بيرثيس، التوصُّل إلى «خطوط عريضة» لاتفاق وصفه بـ«المبدئي» بين البرهان ورئيس الوزراء المُقال عبد الله حمدوك، يشمل عودة هذا الأخير لترؤّس حكومة تكنوقراط يضعها الجيش على رأس أولوياته، فيما سيُصار إلى تعديل «الوثيقة الدستورية» بما يتساوق مع الرؤية الموضوعة للمرحلة المقبلة. خرقٌ يجيء في موازاة إشارة المكوّن العسكري المتكّررة إلى قرب تصعيد حكومة تكنوقراط ترضي بعض الأطراف الدوليين، وفي مقدِّمهم الولايات المتحدة المحصورة مطالبها بـ«استعادة الحكومة المدنية مهامّها».وبعدما قدّمت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا إلى «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة مشروع قرار يطالب بعودة الحكومة السودانية المُقالة فوراً إلى الحُكم، ويدعو إلى تعيين مقرِّر خاص لمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في هذا البلد، انضمّت كل من السعودية والإمارات، للمرّة الأولى منذ تنفيذ عبد الفتاح البرهان انقلابه في الـ 25 من تشرين الأول الماضي، إلى واشنطن ولندن في الدعوة إلى استعادة الحكومة المدنية السلطة. ودعت الدول الأربع، في بيان مشترك صدر عن وزارة الخارجية الأميركية، إلى إطلاق سراح المحتجزين السياسيين وإنهاء حالة الطوارئ والالتزام بـ«شراكة مدنية ــــ عسكرية حقيقية» خلال مرحلة الانتقال إلى الانتخابات، لأن من شأن ذلك أن «يساعد في ضمان وصول السودان إلى الاستقرار السياسي والتعافي الاقتصادي كي تتسنّى له مواصلة الفترة الانتقالية بدعم من الأصدقاء والشركاء الدوليين». ورداً على الدعوة، سارع البرهان إلى الإفراج عن أربعة وزراء في حكومة حمدوك المُقالة.
سارع البرهان إلى الإفراج عن أربعة وزراء في حكومة حمدوك المُقالة


وفي ما بدا لافتاً غياب مصر عن «الإجماع» الدولي ــــ الخليجي، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن البرهان التقى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في «زيارة سرّية» إلى القاهرة، قبل يوم من الانقلاب. وفي حين اكتفت مصر، حتى الآن، بدعوة «كل الأطراف السودانيين إلى ضبط النفس وتغليب المصلحة العليا والتوافق الوطني»، لفتت الصحيفة، نقلاً عن ثلاثة مصادر وصفتها بالمطّلعة، إلى أن البرهان «أجرى سلسلة تحركات جريئة قبل يوم واحد من الانقلاب، وطمأن جيفري فيلتمان، المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي، بأنه لا ينوي الاستيلاء على السلطة، ثم استقلّ طائرة متوجّهة إلى العاصمة المصرية لإجراء محادثات سرّية لضمان حصول مؤامرته على دعم إقليمي». وبحسب الصحيفة، فإن رئيس المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، زار الخرطوم قبل الانقلاب، حيث التقى البرهان وتفادى لقاء حمدوك». وقال كامل للبرهان، وفق الصحيفة، «حمدوك يجب أن يرحل»، معرباً عن استياء القاهرة منه «بسبب انفتاحه على إثيوبيا في قضية سدّ النهضة». وإذ أبدى أثناء لقائه، أوّل من أمس، المبعوث الخاص إلى «الاتحاد الأفريقي»، أولسون أبو سانجو، في الخرطوم، حرصه على استكمال هياكل الفترة الانتقالية، لوّح البرهان بأنه في صدد تعيين جديد للوزراء على رأس حكومة تكنوقراط بلا انتماءات حزبية، فيما لم يُعرف، لغاية الآن، موقف حمدوك من العودة إلى سلطة شكلية.