لا يزال رئيس الوزراء السوداني المُقال، عبدالله حمدوك، على موقفه من العودة إلى الصيغة التي كانت قائمة قبل الـ25 من تشرين الأوّل الماضي، تاريخ انقلاب عبد الفتاح البرهان، على الشراكة بين المكوّنَين العسكري والمدني. ويبدو أن حمدوك، وعلى رغم الفشل الذي مُنيت به تجربة الحُكم ما بعد إطاحة نظام عمر البشير قبل عامَين، يستند في إصراره هذا إلى وجود اتجاه دولي لإعادة ضبط الأوضاع في السودان. اتّجاه تجلّيه جهود الوساطة المتواصلة، لا سيما الأممية التي يقودها مبعوث المنظمة إلى السودان، فولكر بيرثيس، الذي شدّد، يوم أمس، على ضرورة العودة إلى «مراحل الانتقال السياسي كما شهدناها قبل الـ25 من تشرين الأوّل». ويمثّل إطلاق سراح الوزراء المعتقلين وعودة الحكومة المدنيّة إلى مباشرة عملها من حيث توقَّف، «مدخلاً لحلّ الأزمة»، بحسب ما نقل حمدوك إلى ضيوفه، سفراء دول ما يُسمّى «الترويكا» التي تضمّ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنروج، أوّل من أمس. وإذ جدَّد تمسُّكه بشرعية حكومته والمؤسسات الانتقالية، أكد حمدوك، في هذا الإطار، أنه «لن يكون طرفاً في أيّ ترتيبات وفقاً للقرارات الانقلابيّة الصادرة في تاريخ 25 تشرين الأوّل»، مشترطاً العودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل ذلك التاريخ، و«إلغاء جميع القرارات غير الدستورية» الصادرة عن البرهان.لكن أيّاً من الشروط التي يضعها حمدوك لن تكون محلَّ ترحيب لدى البرهان، ما لم يكن هناك إجماع دولي على توصيف واقعة الـ25 من تشرين الأوّل بالانقلاب. وفي ما يبدو أنه تحوُّل في موقف الولايات المتحدة الذي بدا متراخياً إزاء «استيلاء العسكر على السلطة»، دعا المبعوث الأميركي الخاصّ إلى القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، أمس، إلى «إلغاء جميع الإجراءات المتّخذة في الـ25 من تشرين الأوّل»، مؤكداً، من واشنطن، أنه لا يستطيع مغادرة بلاده في الوقت الراهن بسبب الاضطرابات في السودان وفي إثيوبيا، على رغم إعلان الحكومة السودانية المُقالة عن وصوله قريباً إلى الخرطوم. وقال فيلتمان للصحافيين، وفق ما نقلته «فرانس برس»، إنه غادر العاصمة السودانية مساء الـ24 من تشرين الأوّل بعد عدّة اجتماعات مع البرهان وحمدوك، ولكنه فوجئ بأن العسكريين «الذين تكلّموا معنا بسوء نية»، كانوا يقولون إنهم «يريدون التوصُّل إلى حلٍّ لمخاوفهم بطريقة دستورية، وفي واقع الأمر بمجرّد أن غادرنا، قلبوا طاولة المفاوضات وقاموا بانقلاب عسكري»، مجدِّداً دعوة حكومة بلاده لـ«إعادة الحكومة وإطلاق سراح جميع المدنيين المحتجزين». وأشار، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، إلى أن «كلا الجانبَيْن المدني والعسكري أظهرا ضبطاً للنفس في الاحتجاجات يوم السبت الماضي»، عادّاً ذلك بمثابة «مؤشّر إلى أن الجانبَيْن يدركان أنهما بحاجة إلى العمل معاً لإيجاد طريقة للعودة إلى مرحلة انتقالية تشمل كلاً من العسكريين والمدنيين».
تحدّث فيلتمان عن الحاجة إلى إيجاد طريقة للعودة إلى مرحلة انتقالية تشمل كلاً من العسكريين والمدنيين


الدعوة الأميركية إلى إيجاد صيغة تعيد المدنيين إلى الحكم، جاءت توازياً مع إعلان مبعوث الأمم المتحدة إلى الخرطوم استكمال جهود «الوساطة» في السودان وفي الخارج، لإيجاد مخرج للأزمة في هذا البلد. وبحسب بيرثيس، فإن «الكثير من مُحاورينا في الخرطوم، ولكن أيضاً على المستويَيْن الدولي والإقليمي، يُعبّرون بشدّة عن رغبتهم في التحرّك سريعاً للخروج من الأزمة والعودة إلى الوضع الطبيعي»، مشدّداً على ضرورة العودة إلى «مراحل الانتقال السياسي كما شهدناها قبل 25 تشرين الأول». ومن العاصمة السودانية، قال إن «عدداً من الأطراف يجري حالياً مساعي وساطة متعدّدة في الخرطوم... نحن ندعم اثنتَيْن من تلك المساعي، ونقترح مبادرات وأفكاراً وننسّق مع بعض الوسطاء»، مضيفاً: «يجري طرْح حزم أكبر (من الإجراءات) للتفاوض، وهم يأملون في إمكانية ظهور ملامح إحداها في غضون اليومين المقبلين... هناك شعور عام بأنه ينبغي إيجاد مخرج». كما أفاد بأنه لا يستطيع الحديث عن مطالب أو شروط أو مواقف كلّ من حمدوك والبرهان، بينما يتنقل الوسطاء بين الاثنين، لكنه شدّد على أن المفاوضات لا يمكن أن تُجرى إلّا بين «أناس يتمتّعون بالحرية»، في تلميح إلى المسؤولين المحتجزين من جانب العسكر. في السياق نفسه، أعلنت بريطانيا أنها طلبت عقْد جلسة خاصة طارئة لـ«مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة في شأن السودان. وأيّدت القرار 30 دولة، منها الولايات المتحدة، فيما وصف سفير لندن لدى الأمم المتحدة في جنيف، سايمن مانلي، «أفعال الجيش السوداني بأنها بمثابة خيانة للثورة والعملية الانتقالية وآمال الشعب السوداني».