بغداد | مثّلت المجزرة التي راح ضحيّتها 40 شخصاً من قرية الرشاد في قضاء المقدادية في محافظة ديالى على يد تنظيم «داعش» قبل أيّام، أوّل اختبار للقوى السياسية العراقية منذ انتهاء الانتخابات التي اعتبرها خصوم «الحشد الشعبي» استفتاءً على شعبيّته وضرورة وجوده، خاصة أن الضحايا لم يسقطوا بتفجير انتحاري، وإنّما بإطلاق الرصاص عليهم وعلى مراحل، ما يعني أن التنظيم قادر على السيطرة على منطقة معيّنة لفترة من الوقت، وهو ما لم تكن عليه الحال بعد في أعقاب هزيمته في العراق وسوريا. كذلك، استبطنت تداعيات المجزرة دلالات في ما يتّصل بالاشتغال على تلطيخ صورة «الحشد»، والذي بلغ أوجه خلال الحملة الانتخابية، إذ لم يكدّ رئيس «تحالف الفتح» هادي العامري، يحطّ في موقع الحدث، حتى واجهه أحد شيوخ قبيلة بني تميم بالصراخ في وجهه: «أنتم الأحزاب من جلبتم لنا البلاوي»، ليردّ العامري عليه بالقول إنه لم ينَم في الليل بعد سماعه بأنباء الهجوم حتى طلع الصباح وتوجّه إلى المقدادية، وإنه لا يمثّل الحكومة، وإن «الحشد» هو من حرّر المحافظة، ليُصدر شيوخ القبيلة لاحقاً بيان اعتذار عن الإساءة للعامري.هذه الواقعة تُظهر أن لا تزال هناك تُرُبات خصبة في العراق، يمكن أن يستغلّها «داعش» في معاودته نشاطه، خاصة في المحافظات المختلطة طائفياً كديالى، والتي تشكّل خاصرة رخوة قد يستطيع التنظيم النفاذ منها، مع ما يعنيه هذا من إذكاء متجدّد للنزاعات الطائفية. وبالفعل، لم يكد يمرّ وقت قصير على الهجوم على قرية الرشاد، حتى انطلق سيل إشاعات عن أن هجوماً انتقامياً وقع على قرية نهر الإمام المجاورة والتي يغلب على سكّانها «السُنّة»، لكن المتحدّث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق، اللواء تحسين الخفاجي، نفى صحّة تلك الأنباء. وتشير طريقة استدراج الضحايا في «الرشاد» إلى أريحية لدى عناصر التنظيم في التخطيط لهجماتهم في المنطقة المذكورة، حيث قَتلوا أوّلاً خمسة أشخاص يعملون في تربية العجول، ولكنهم ادّعوا خطفهم، طالبين فدية لإطلاق سراحهم، وعند وصول ذويهم بالفدية، جرى إطلاق النار عليهم، ثمّ عندما سمع أهالي القرية صوت الرصاص، حضر عدد منهم إلى المكان، ليواجَهوا أيضاً بإطلاق نيران من المسلّحين.
وفي هذا الإطار، يلفت النائب أيوب الربيعي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «قرية نهر الإمام يتواجد فيها داعش منذ زمن، وبالتأكيد فيها الكثير من الخروقات، وتوجد فيها مضافات يستغلّها عناصر التنظيم، وهناك من يسندها ويوصل لها ما تحتاجه من دعم لوجستي وعتاد وغذاء وغيره، وهي منطقة ساخنة منذ عام 2007، وحدثت فيها الكثير من عمليات الخطف والقتل»، مضيفاً أن «المنطقة تحتوي أشجاراً كثيفة تسمح بتنقّل عناصر داعش بسهولة، والتنظيم يترصّد المناطق التي تتّسم بالضعف والخروقات ويستقرّ فيها أو يجعلها هدفاً له للقيام بجرائمه». لكن الناطق الرسمي باسم «الحشد الشعبي» في قاطع ديالى، صادق الحسيني، يشير، من جهته، إلى أن «المنطقة مسكونة من أبناء بني تميم الذين عُرفوا بتصدّيهم للإرهاب ضدّ جميع التنظيمات الإرهابية السابقة والحالية»، قائلاً لـ«الأخبار»: «إننا لا نبرّئ ولا نتّهم أحداً، لكن للتوضيح فإن المناطق التي حدثت فيها هذه الأحداث ليست تحت مسؤولية الحشد الشعبي، بل الشرطة والاستخبارات. فهم من المفروض لديهم معلومات عن تحرّكات التنظيمات الإرهابية للوقوف على أسباب تكرار هذه الهجمات في ديالى».
تشير طريقة استدراج الضحايا إلى أريحية لدى عناصر التنظيم في التخطيط لهجماتهم


إزاء ذلك، يعتبر حسام العزاوي، النائب السابق عن ديالى من «القائمة العراقية الوطنية» برئاسة إياد علاوي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «هنالك ضرورة لبقاء الحشد الشعبي، فهو أصبح مؤسسة قتالية فاعلة كبيرة، وهي جزء من المنظومة الأمنية العراقية، وأصبحت لها تجربة في حرب العصابات من خلال العمليات التي شاركت فيها في تحرير المحافظات من داعش»، متابعاً «أننا نحتاج اليوم إلى التعامل مع هذه العصابات الإرهابية، وهذا يحتاج إلى تجربة عسكرية مثل تلك التي يحملها الحشد والمؤسّسات الأمنية الأخرى، ولكن هذا يجب أن ينعكس في قيام قيادة عامّة للقوات المسلّحة يشترك فيها الكلّ، ابتداءً من الحشد والقطعات الأمنية الأخرى والبيشمركة، وأن يكون هناك توحيد للقرار الأمني». ويحذّر العزاوي من أن «ديالى قد تسقط عسكرياً في الليل في يد تنظيم داعش»، موضحاً أن «الوضع الأمني هشّ، وخاصة في هذه المحافظة، وهناك خروقات مستمرّة وسوف تستمرّ»، مشدّداً على أن «الملفّ الأمني لا يدار بهذه العقلية، بل يحتاج إلى رؤية حقيقية متكاملة ومعالجة شاملة ابتداءً من الحواضن الإقليمية، والحواضن المحلية، وتوحيد القطعات الأمنية ضمن القيادة العامة للقوات المسلحة، وإعادة المهجّرين، وأن يتحمّل المواطن العراقي في محافظة ديالى مسؤولية الأمن. وهذا يأتي من خلال إنصاف الناس وتوفير الخدمات الصحية وغيرها». ويدعو العزاوي إلى «الإسراع في المصادقة على نتائج الانتخابات بغضّ النظر عن مَن الفائز ومَن الخاسر، والدعوة إلى مؤتمر وطني شامل تشترك فيه كلّ الأحزاب والفعاليات السياسية ومنظّمات المجتمع المدني والنقابات، في حوار بنّاء لإنشاء رؤية متكاملة للبلاد، وبناء عراق موحّد وقيام دولة مؤسّسات وفق آلية حقيقية يشارك فيها الجميع دون تمييز»، منبّهاً إلى أن «خطر داعش ما زال مستمرّاً، ويهدّد العراق بكلّ محافظاته وليس ديالى فقط. لذلك، سوف يستغلّ الإرهاب أيّ ثغرة في الوضع السياسي أو الإرهاصات التي سوف تحصل في تشكيل الحكومة، فعلى القادة السياسيين أن يتحمّلوا مسؤوليتهم في إيجاد مناخ ملائم لحوار متكامل لتشكيل حكومة وحدة وطنية».
على أن الانقسامات التي عمّقتها الانتخابات ليست وحدها العامل المساعد على تنفيذ هكذا هجمات، وإنّما أيضاً التدخّلات الخارجية، وخاصة الخليجية، التي تشجّعت من واقع النتائج المجزية التي حقّقتها من خلال ضخّ الأموال في الحملات الانتخابية. كذلك، يربط مراقبون بين تجدّد عمليات «داعش»، واستعداد الاحتلال الأميركي لسحب قوّاته القتالية كاملة من العراق، بحلول 31 كانون الأول المقبل، وهو ما قد يستهدف إيصال رسالة مفادها أن التنظيم ربّما يعاود نشاطه في غياب القوات الأميركية.