بغداد | مع تراجع ضجيج العاصفة التي أحدثتها الانتخابات العراقية، بدأت القراءات الباردة للحدث تَشقّ طريقها، وخاصة لناحية ما حصل وما سيحصل في مقبل الأيام داخل "البيت الشيعي"، الذي تعرّضت بنيته لهزّة عنيفة بنتيجة التصويت، على رغم أن السبب في ذلك، وفق قراءة أحد النواب "الشيعة" المستقلّين المنتخَبين، ليس تبدّلاً في المزاج السياسي، بقدر ما هو عوامل موضوعية، مِن مِثل قانون الانتخاب، وأخرى ذاتية على رأسها التشظّي الكبير الذي أصاب الأذرع السياسية لـ«الحشد الشعبي»، وأدّى إلى تشتّت أصواتها، في مقابل التنظيم ووحدة القيادة لدى "التيار الصدري"، واللذين أدّيا إلى رفع حصّته من مقاعد البرلمان. عدا ذلك، فإن الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب تبدو عملياً متقاربة مع ما حصلت عليه في الانتخابات السابقة، غير أن القانون المختلف (الدوائر الصغرى والصوت الواحد) أدّى إلى نتيجة مختلفة. وعلى أيّ حال، فإن نتيجة الانتخابات لا يمكن أن تسوّغ نقل العراق من موقع إلى موقع آخر، كما لا يمكنها، في المقابل، أن تعود به إلى الوراء، بما يؤدّي، مثلاً، إلى اختيار مرشّح لرئاسة الحكومة كرئيس "ائتلاف دولة القانون"، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي يواجَه بمعارضة قوية من داخل "البيت الشيعي"، وخصوصاً من الصدر، ومن "المرجعية الدينية العليا" أيضاً، على رغم الزخم الكبير المستجدّ الذي يحظى به، في ظلّ تكتّل معارضي الصدر حوله. ويقرأ النائب المستقلّ المنتخَب عن محافظة البصرة، مصطفى سند، في تصريح إلى "الأخبار"، التغيير على أنه نتيجة لقانون الانتخابات الجديد الذي يخدم تنظيمات محدّدة ولا يخدم أخرى. ويوضح سند حديثه بـ"أننا لو عدنا إلى عدد المصوّتين للأحزاب، نجد الأرقام متشابهة تقريباً مع الانتخابات السابقة"، مستدركاً بأن "هذا القانون يخدم الأحزاب والكتل الموحّدة مثل التيار الصدري الذي هو حزب منظّم وموحّد، فيما الأحزاب الأخرى متشظّية. فمثلاً، قوائم الحشد الشعبي نافست بعضها بعضاً في العديد من الدوائر، وهو ما أدّى إلى تشتّت أصواتها". كذلك، يتطلّب القانون الجديد، وفق سند، ترشيح شخصيات بارزة ولامعة، لديها قدرة على كسب جمهور قوي في دائرة صغيرة. ولذا، فإن الأحزاب التي لا تمتلك شخصيات من هذا النوع فشلت في نيل مقاعد في مثل هذه الدوائر، فيما "نجح فيها مستقلّون وشخصيات متحزّبة لها في الأساس جمهور ونجاحات".
الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب متقاربة مع ما حصلت عليه في الانتخابات السابقة


بناءً عليه، يَعتقد سند أن العراق يتّجه إلى دوّامة جديدة من الصراعات، باعتبار الأحجام متقاربة، والنتيجة الحاسمة غير متوافرة لمصلحة أيّ جهة، وبالتالي "سنبقى في نفس دائرة التنافس والخاسر لن يتقبّل الخسارة". وعمّا إذا كان يتوقّع أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير موقع البلاد، يقول: "لا أعتقد أن موقع العراق سيتغيّر. العراق يحتاج إلى ما بين 8 سنوات و16 سنة لتوضيح هويّته بشكل أكبر"، مضيفاً، في هذا الإطار، أن "إيران دولة جارة. لدينا مشاكل معها، وكذلك اتّفاقات كثيرة معها. لدينا حدود وعوامل مشتركة وزوّار متبادلون. علاقتنا طيّبة معهم في ما يخصّ الحشد الشعبي، والعلاقات الدينية، وعلاقتنا متوتّرة في ما يخصّ بعض الأطراف السياسية داخل العراق". ويتابع: "نعتقد أنه يجب على العراق وإيران التركيز على نقاط الاتفاق في ما بيننا لأننا جيران"، مستدركاً بأن على العراقيين "أن يثبتوا أنفسهم ويفرضوا احترامهم. للأسف، هم حتى الآن يعتمدون على كثير من دول الجوار. الأمر لا يختصّ بإيران فقط، بل هناك شخصيات سياسية تعتمد على الإمارات، وعلى قطر، وأخرى على إيران، وشخصيات مستندة إلى الغرب. بالتالي المشكلة ظاهرة عامة ولا تختصّ بقصة إيران والعراق". وعن احتمال عودة المالكي إلى رئاسة الحكومة، يجيب بأنه "على رغم الزخم الكبير باتجاه عودة المالكي كضربة للصدريين، لكنّ المالكي ورقة مضروبة محروقة بسبب موقف المرجعية، هذه النقطة الأساس، وبسبب موقف (عمار) الحكيم والصدر، على رغم أن الأول لا يملك غير مقعدين أو ثلاثة، لكن هناك علاقات يمكن أن يستخدمها في هذا الاتجاه".

«تقدّم»: الجمهور قال كلمته
من جهته، يصف القيادي في حزب "تقدّم" الذي يتزعّمه محمد الحلبوسي، عمار عبد الرحيم، في تصريح إلى "الأخبار"، النتائج التي حقّقها حزبه بأنها "الحصيلة الحقيقية للمشروع السياسي الناضج" الذي تَقدّم به الحلبوسي، مضيفاً أن "الصناديق كانت الفيصل في ذلك، والجمهور المؤمن بمشروع "تقدّم" قال كلمته". ويرى عبد الرحيم أن "مزاج الناخب تبدَّل في بعض المناطق، ليفرز ويقدّم طبقة سياسية جديدة تلبّي الطموح وتعمل للمرحلة السياسية المقبلة". وإذ يرفض الحديث عن شكل التحالفات، فهو يعتبر أن الأمر "سابق لأوانه، خاصة أن النتائج النهائية لم تُعلَن إلى الآن ولم تتمّ المصادقة عليها".

"الجيل الجديد": لعلاقة جيّدة مع المركز
على الجبهة الكردية، يرى المحلّل السياسي القريب من قائمة "الجيل الجديد"، أحمد الهركي، في حديث إلى "الأخبار"، أن حالة السخط الشعبي على الأحزاب الحاكمة، "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير"، هي التي أدّت إلى تحقيق قائمة "الجيل الجديد" نتائج جيّدة، إضافة إلى أسباب أخرى من بينها ترشيح إعلاميين لديهم مقبولية في الشارع، والاستفادة من التكتيك الانتخابي الذي أتاحه نظام الدوائر المتعدّدة، عبر ترشيح شخص واحد في كلّ دائرة. ويشير الهركي، في سياق حديثه عن دلالات إضافية للنتائج، إلى أن حزب "الجيل الجديد" لا يمتلك تنظيماً سياسياً متماسكاً مثل الأحزاب الكردية الأخرى، وقد أوصل في انتخابات البرلمان العراقي في عام 2018، 4 نواب، انشقّوا جميعاً عنه، وكذلك في برلمان "كردستان" 8 نوّاب انشقّ نصفهم عنه.
ويلفت إلى أن "الجيل الجديد يتبنّى فكرة بناء علاقة جيّدة مع المركز على أساس الدستور، وخطاب محاربة الفساد، لكنّ هناك اتهامات بالفساد لرئيسه في ملفّات مِن مِثل ملفّ أحد المشاريع الإسكانية في العراق"، مضيفاً أن "الحزب استفاد من التصويت العقابي، لكنه لم يستطع إلى الآن أن يتحوّل إلى بديل سياسي قوي للحزبَين الرئيسيَن"، وبالتالي، فـ"التحدّي الأكبر المقبل له هو الحفاظ على النتائج الجيّدة التي حقّقها في انتخابات البرلمان العراقي الأخيرة، والاستفادة منها في انتخابات برلمان كردستان العام المقبل، التي ستحدّد الخارطة السياسية وشكل الحكومة في الإقليم".