بغداد | فشلت القوى السياسية العراقية في تحفيز الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، على رغم أن قانون الانتخابات الذي اعتمَد الدوائر الصغرى والصوت الواحد، كان يمكن أن يرفع نسب المشاركة، كونه قرّب، عمليّاً، المسافة بين الناخب والمرشّح. نسبة الاقتراع المتدنّية، التي لم تتعدَّ 32% عند إقفال الصناديق، وفق «تحالف الشبكات والمنظّمات الوطنية لمراقبة الانتخابات»، كانت بمثابة استفتاء على غياب الثقة بالقوى السياسية، واحتجاجاً على فسادها الذي أيقن العراقيون أن الانتخابات لن تُقدِّم حلولاً له، بدليل التجارب الانتخابية السابقة التي أثبتت القوى السياسية خلالها صعوبة زحزحتها عبر الصناديق، نظراً إلى الإمكانات الكبيرة التي تتمتّع بها، وقدرتها على تطويع القوانين لمصلحة استئثارها بالسلطة. كما يُظهر انسداد الأفق السياسي في العراق، الإرث التفتيتي الذي يتركه الاحتلال وراءه وهو يهمّ لمغادرة البلاد في نهاية العام الجاري، والذي لن يكون سهلاً محوه، حيث عملت الولايات المتحدة، منذ الغزو في عام 2003، على كسْر أيّ توافق بين العراقيين على هوية وطنية واحدة تجمعهم على حدٍّ أدنى يمكّنهم من إنتاج سلطة تمثّل مصلحة العراق.
عملت الولايات المتحدة، منذ الغزو، على كسْر أيّ توافق بين العراقيين على هويّة وطنيّة واحدة تجمعهم

وأعلنت رئيسة فريق الراصدين لبعثة الاتحاد الأوروبي لرصد الانتخابات العراقية، فيولا فون كرامون، أن مراكز الاقتراع شهدت إقبالاً ضعيفاً من جانب الناخبين في التصويت العام. وقالت كرامون: «لم نشهد حصول أيّ خروقات في مراكز الاقتراع التي تمّ رصْدها». وجاءت نسبة الاقتراع في المدن أقلّ منها بكثير في المناطق الأخرى، ما يعكس أن المناطقية والعشائرية، كانتا الدافع الرئيسيّ للمشاركة في العملية الانتخابية في الأماكن التي ارتفعت النسبة فيها قليلاً، وخاصّة أن العراق منقسم على خطوط طائفية وعرقية، إلى جانب الانقسام السياسي، ما يحتّم على الطوائف والعرقيّات الأقلّوية تكثيف مشاركتها. ففي محافظتَي بغداد الرصافة وبغداد الكرخ، على سبيل المثال، لم تتعدَّ نسبة الاقتراع، حتى منتصف النهار، 14% و10% على التوالي، بينما سُجِّلت في المناطق السُنّية، حيث جرى ضخّ المال الانتخابي الخليجي بصورة أساسية، وحيث يتنافس بشدّة معسكرا محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، نِسَب اقتراع مضاعفة. فوصلت النسبة في نينوى التي تضم الموصل إلى 25%، وفي صلاح الدين إلى 27%، وفي ديالى إلى 26%، وفي الأنبار إلى 23%. حتى في المناطق التي يغلب عليها الشيعة، جاءت نسبة المقترعين أفضل في عمق الجنوب، وتراوحت، حتى منتصف النهار، بين 20% و22% في محافظات البصرة وميسان والناصرية، بينما لم تتعدَّ الـ 14% في النجف. وعند الأكراد، كانت نِسَب الاقتراع شبيهة بما هي عليه في المحافظات الأخرى؛ فسُجّلت في أربيل ودهوك مشاركة 21% و22% على التوالي، بينما لم تتعدَّ في السليمانية نسبة الـ 16%، على الأغلب بسبب خلافات الأجنحة داخل «الاتحاد الوطني الكردستاني».
وبفعل ضعف الحماسة، كانت الخروقات محدودة نسبياً، إذ قال رئيس مجلس المفوّضين للمرحلة الانتقالية، عز الدين المحمدي، في حديث إلى «الأخبار»، إنه «فقط في ديالى، جرى إطلاق نار من قِبَل بعض المسلّحين أمام أحد المراكز الانتخابية، وتحريك قوات التدخّل السريع للإحاطة بالمنطقة وإنهاء الحالة التي لم تؤثّر بالعملية الانتخابية». وذكر المحمدي أن الأمن مستتبّ في كل مناطق العراق، وأن تقارير المراقبين الدوليين والمحليين في بغداد والمحافظات لمنتصف النهار، لم تسجّل أيّ خروقات مهمّة تذكر لإجراءات المفوضية. إلّا أنه، وفق المحمدي، كانت ثمّة خروقات للصمت الانتخابي حدثت في الساعات الأخيرة لهذا الصمت، وسجّلتها مفوضية الانتخابات، وقد عوقب المرشّحون أو الكيانات التي خرقته، وفق القانون والإجراءات الخاصة بارتكاب الخروقات والعقوبات التي يتمّ إيقاعها عليهم.