الحسكة | يشكّل مفهوم «اللامركزية الإدارية»، المنصوص عليه في قانون الإدارة المحلية رقم 107 (تمّ تعديل القانون بعد عام واحد من اندلاع الأزمة في البلاد)، محطّ جدل بين القيادات الكردية التي لا تفتأ تكرّر مطالبها بضرورة مناقشة شكل «الإدارة الذاتية» المطبَّقة في شمال شرق البلاد، واعتمادها هي كأساس للحكم، وبالتالي الحلّ، فيما تتمسّك دمشق، ومعها حلفاؤها وجزء من خصومها، بأن أيّ حل سياسي يجب أن «يكون في إطار وحدة سوريا، ورفض أيّ أجندة انفصالية». ودائماً ما يُفهم الحديث عن «الأجندات الانفصالية» على أنه موجّه إلى «قسد» و«الإدارة الذاتية»، بعدما عمدت الأخيرة إلى تشكيل هياكل إدارية على شكل حكومات محلية، مع نظامَي تعليم ودفاع خاصَّين بها، وسعي مستمرّ إلى افتتاح ممثّليات لها في الخارج، ما دفع الحكومة إلى اعتبار ذلك «ميولاً انفصالية واضحة».وفي ظلّ فشل كلّ جولات الحوار التي سعى الجانب الروسي إلى عقدها بين الحكومة السورية و«الإدارة الذاتية»، أتى خطاب الرئيس بشار الأسد، الشهر الماضي، عن ضرورة تفعيل اللامركزية، ليفتح باب النقاش مجدّداً حول هذا المفهوم، فيما بدا أن زيارة وفد من «مسد» و«الذاتية» إلى روسيا استهدفت، من ضمن مجموعة غايات، فهم المقصود بحديث الأسد، ومدى إمكانية خلق نقاط التقاء مع دمشق، لخوض جولات حوار جديدة، تكون مثمرة هذه المرّة. وحظي حديث الأسد باهتمام شديد لدى المسؤولين الأكراد ووسائل الإعلام الكردية، على اعتبار أنه لبّى، ولو بشكل جزئي، مطلباً رئيساً لـ«مجلس سوريا الديمقراطي». وفي هذا الإطار، اعتبر رئيس «مسد»، رياض درار، في تصريحات إعلامية، أن «اللامركزية تتطلّب إجراءات عميقة في تمثيل أبناء المناطق أنفسهم واختيار ممثّليهم، والمركز تكون له وزارات سيادية محدّدة تحقّق وحدة البلد»، مضيفاً أنه «ليس مهمّاً اسم الإدارة لدينا؛ إن كان اسمها إدارة محلية أو إدارة ذاتية، المهمّ أن المجالس المحلية تأخذ مداها ولا يتحكّم بها محافظ، ولا تخضع لوزارة الإدارة المحلية كما حصل بعد مرسوم الإدارة المحلية ذي الرقم 107، لأن المحافظ والوزير فرضا الحكم المركزي بكلّ الأحوال».
يرفض مصدر حكومي في الحسكة تفسير كلام الأسد على أنه تجاوب مع مطالب «قسد»


ويرى الباحث والأكاديمي الكردي فريد سعدون في حديث إلى «الأخبار»، أن «كلام الأسد حول اللامركزية يُعدُّ خطوة إيجابية ونقلة نوعية في الخطاب السياسي للدولة، خاصّة في المرحلة الراهنة»، معتبراً أنه «عبّر عن حاجة الدولة إلى إعادة النظر في أولوياتها وصلاحيتها»، مضيفاً أن «هناك رؤية جديدة، تقوم على اعتبار أن اللامركزية هي الأساس في إدارة الدولة في كلّ المحافظات، لتكون بذلك خطوة نوعية». ويلفت سعدون إلى أن «لغة المرونة واضحة في خطاب الرئيس، وهو ما يمكن فهمه على أنه مبادرة لتفعيل الحوار مع الإدارة الذاتية». بدوره، يشير الكاتب والأستاذ الجامعي السوري عقيل محفوض إلى أن «مسألة العلاقة بين الحكومة وقسد، تُعدّ من الأولويات في أجندة دمشق، لارتباطها بالتحدّيات الاقتصادية والوجود الأميركي»، مؤكداً أن «هناك أزمة ثقة واضحة بين الطرفين، خاصة أن هناك شكّاً في قدرة قسد على تطبيق أيّ تعهد تقطعه على نفسها، لارتباط جزء من قرارها بالقرار الأميركي». ويذكّر محفوض بأن «مقاربة الطرفين للقانون 107مختلفة، ما يجعل إمكانية التفاهم حوله صعبة»، مفترضاً أن «حديث الأسد عن اللامركزية كان مقصوداً، خاصة أن دمشق تريد تفكيك كلّ مصادر التهديد والعُقد القائمة بينها وبين مسؤولي الإدارة الذاتية، وهي مَهمّة تحتاج إلى نوايا طيبة، وإرادة للحلّ»، منبّهاً إلى أن «الوجود الأميركي لن يكون دائماً، وقد تنسحب كما فعلت في أفغانستان، وهو أمر يجب أن يكون في الحسابات... وبالتالي ليس لقسد من سبيل إلا طريق دمشق لإنجاز أيّ حل، على أساس أن سوريا دولة واحدة».
وبالعودة إلى خطاب الأسد، فقد اعتبر الرئيس السوري أن «المجالس المحلّية هي الأقدر على معرفة مصالحها المحلية وطرح الحلول، وهذا يساعد السلطة المركزية والمسؤول المركزي على أن يبتعد عن الغرق في التفاصيل»، مضيفاً أن «اللامركزية تُحقّق التنمية المتوازنة بين مختلف المناطق الأغنى والأفقر وبين الريف والمدينة». وبالتالي، يمكن القول إن حديثه لا يخرج عن سقف منح الصلاحيات للمجالس المحلية لتحقيق التنمية، وإزالة أيّ عراقيل أمام تحقيق هذا الهدف، في ظلّ التأكيد أن الأولوية هي لتحسين الواقع المعيشي والخدمي للمواطنين. وفي هذا الإطار، يرفض مصدر حكومي رسمي في محافظة الحسكة، في حديث إلى «الأخبار»، الآراء التي تذهب إلى تأويل كلام الأسد حول اللامركزية، على أنه تجاوب مع مطالب «قسد»، إذ يعتقد المصدر أن «الإدارة الذاتية تحمل نزعة انفصالية، وأن أيّ مراعاة لواقع إداري ما في مناطق سيطرتها، سيعني حتماً الإقرار بواقع وجود إمارة إسلامية في إدلب، وهو أمر غير قابل للنقاش». ويعتبر أن «استمرار ارتباط ميليشيا قسد بالأميركيين، يقطع الطريق أمام أيّ حوار»، مضيفاً أن «مسألة استعادة الدولة السورية سيادتها على كلّ المناطق هو أمر سيحصل حتماً، عندما تتوفر الظروف المناسبة لذلك». ويبيّن أن «حديث الأسد عن اللامركزية، الهدف منه هو تمكين الوحدات الإدارية والمجالس المحلية من أخذ دورها، من دون أيّ تفسيرات أخرى».