دمشق | تسير العلاقات السورية - الأردنية في نسق متصاعد من الإيجابية المقرونة بضوء أخضر أميركي لعمّان. ومع افتتاح معبر نصيب الحدودي بين البلدين، من المتوقّع أن تتدفّق البضائع السورية إلى الأردن ومنه إلى دول الخليج. وفيما تبدي عمّان رغبتها في إعادة تطبيع العلاقات على أعلى المستويات مع دمشق، تتلقّى الأخيرة الرغبة الأردنية بحذر، خشية تبدّل الموقف الأميركي، والذي قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر. في الأثناء، تُطرح تساؤلات عمّا إذا كانت هذه الإيجابية ستنسحب على العديد من الملفّات العالقة بين سوريا والدول الخليجية، وعلى رأسها العودة إلى جامعة الدول العربية
من حالة السكون التي تلت افتتاح السفارة الإماراتية عام 2018، إلى حراك غير مسبوق في الآونة الأخيرة كانت أحدث محطّاته إعادة افتتاح معبر نصيب كنتاج طبيعي لإعادة تأمين الجنوب السوري، تتحرّك العلاقات العربية - السورية على سلّم الإيجابية. وعليه، من المتوقّع أن يشرّع فتح معبر نصيب الباب أمام تدفّق البضائع السورية نحو الخليج الذي لم يتوقّف عن استيراد ما يحتاجه من سوريا على رغم القطيعة معها، إذ لا يمكن اعتبار الموقف الأردني معزولاً عن توافق عربي، أو بالحدّ الأدنى خليجي غير معلَن حتى الآن، على مثل هذا التطبيع. والسوق الأردنية، وإن كانت متعطّشة للبضائع السورية، لا يمكنها أن تستوعب كلّ هذه المنتجات، ولذا غالباً ما يكون الأردن طريق عبور فقط نحو الدول الخليجية التي لم توقف استيراد الخضار وزيت الزيتون من سوريا طيلة سنوات الحرب. وتبدو جملة المواقف العربية الإيجابية، والتي يلعب الأردن دور «رأس الحربة» فيها، مبنيّة أساساً على موقف أميركي غير ممانع لها، وهو تبدُّل بدأه الأميركيون بالموافقة على نقل الغاز المصري نحو لبنان مروراً بسوريا، ومن ثمّ الموافقة على توجّه الأردن لتحريك مياه السياسة الراكدة بحجر الاقتصاد، على اعتبار أنه لا يمكن لعمّان أن تتّخذ مثل هذه الخطوات من دون تنسيق مسبق مع واشنطن، خشية من العقوبات المفروضة على دمشق التي سبق أن ظهرت مؤشرات إلى أن دولاً عربية في طريقها إلى فتح سفاراتها فيها أسوةً بالإمارات، لكن تشنّج الموقف الأميركي منع ذلك في حينه.
ولم تتمكّن الحكومة الأردنية، طيلة السنوات الماضية، من خلق بديل من الموانئ السورية، على الرغم من وجود معلومات عن أن أطرافاً عربية عمدت، مع بداية الأزمة السورية وفرض القطيعة وعقوبات الجامعة العربية على دمشق، إلى تقديم ملفّ متكامل إلى الأردن حول الجدوى الاقتصادية للتحوّل نحو الموانئ الفلسطينية الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن عمّان لم تجرؤ على اتخاذ مثل هذه الخطوة خشية من ردّ فعل الشارع، وبقيت السوق الأردنية مخنوقة، إلى أن افتُتح معبر نصيب لأوّل مرّة في تشرين الأول من عام 2018، الأمر الذي أظهر احتياجاً كبيراً من الأردنيين إلى أسواق دمشق ذات الأسعار الأرخص، بالاستفادة من فارق سعر الصرف بين البلدين. وقياساً على ذلك، تبدو السوق الأردنية هي الأكثر احتياجاً إلى دمشق على الرغم من حاجة الأخيرة إلى الطاقة وحواملها. وتؤكد المصادر القريبة من الوفد السوري الذي زار عمّان أخيراً، أن رئيس الحكومة الأردنية أبدى رغبة بلاده في إعادة تطبيع العلاقات على أعلى المستويات، لكن المصادر توضح، في حديث إلى «الأخبار»، أن «دمشق تتروّى في الحديث عن تطبيع العلاقة خشية من التبدّل الذي قد ينتج من ضغوط أميركية مفاجئة على عمّان، فالأخيرة، وإنْ كانت قد تحرّكت بعد منحها ضوءاً أخضر من الحكومة الأميركية، إلا أنها أيضاً قد تعود إلى نقطة الصفر إنْ تبدَّل لون الإشارة الأميركية وبات أحمر». وما يعزّز الحذر السوري أن لا ثوابت بالفعل في مواقف واشنطن، فبعد أن كانت نائبة المتحدّث باسم الخارجية الأميركية قد رحّبت بـ«عودة الرحلات التجارية بين سوريا والأردن»، عادت لتبلع موقفها وتقول إن واشنطن «تُراجِع القرار».
تتروّى دمشق في الحديث عن تطبيع العلاقة مع عمّان خشية التبدّل الذي قد ينتج من ضغوط أميركية مفاجئة


ويُعقد، اليوم الخميس، على الحدود المشتركة (معبر نصيب)، اجتماع بين ممثلين عن وزارة الزراعة في كلّ من سوريا والأردن لمناقشة اتفاق «الحجر الطبي الحيواني»، الأمر الذي تؤكد مصادر «الأخبار» أنه يمثّل «مقدّمة لزيادة التبادل التجاري بين البلدين»، كما أن الحديث يدور عن «تعاون في مجال الطاقة البديلة وأتمتة الرّي والاستزارع السمكي»، إضافة إلى تقديم الوفد السوري «مسودة علمية وفنية لإمكانية إعادة تفعيل الاتفاقيات المتوقّف العمل بها منذ بداية الحرب». أمّا ملفّ اللاجئين فلا يزال غائباً حالياً عن التصريحات الأردنية، ولا يبدو أن الأمر يتعلّق بموقف رافض من دمشق لمثل هذه العودة، خاصة وأن الأخيرة كانت قد عقدت مؤتمرَين لإعادة اللاجئين. وتشير المعلومات، في هذا الإطار، إلى أن عودة اللاجئين السوريين من المخيمات الواقعة شمال الأردن سيكون «تحصيل حاصل»، ربطاً بما تشهده المنطقة الجنوبية من تسويات واتفاقيات كفيلة بإنهاء التوتر الأمني في كامل محافظة درعا أولاً، إضافة إلى كون إعادة فتح معبر نصيب أمام نقل المسافرين والبضائع يوم أمس الأربعاء، تعني بالضرورة أن الطريق مفتوح أمام مَن يرغب من اللاجئين في العودة. وفي السياق نفسه، تقول مصادر معنيّة، لـ«الأخبار»، إن «الحكومة اللبنانية ستكون مضطرة لمراجعة سياساتها بشأن دخول السوريين إلى أراضيها لأنهم سيجدون في مطار عمّان بديلاً من مطار بيروت الدولي للسفر، بعد أن أعلنت المَلَكية للطيران عن تأمينها للنقل البرّي لركابها إلى دمشق». وتضيف المصادر أن «السوريين الذين كانوا مضطرين لزيارة بيروت لمواعيد في السفارات، سينقلون تعاملاتهم نحو السفارات في عمّان، وكلا الأمرين يعني خسارة بالنسبة إلى بيروت». وبخصوص عودة دمشق إلى شغل مقعدها في جامعة الدول العربية، فإن بداية التطبيع الأردني مع دمشق قد تعني، إلى جانب مجموع اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية السورية فيصل المقداد في نيويورك، وخاصة لقاءه بالوزير المصري سامح شكري، أن هذه العودة قد تكون قريبة، علماً أن الطريق إليها لم تكن لتُفتح لولا موافقة أميركية مسبقة.