أعلن متحدث باسم البرلمان الليبي المؤقت أنه انتقل إلى فندق فاخر أمس حتى تأمين المبنى القديم الذي هاجمه المسلحون التابعون للواء المنشق خليفة حفتر الأحد الماضي، ضمن ما قالوا إنه جزء من حملة لتطهير البلاد من الإسلاميين، وذلك بعد اندلاع الاشتباكات في مدينة بنغازي شرق البلاد حينما هاجمت قوات حفتر متشددين إسلاميين فيها قبل أن تنسحب منها ضمن ما سمته «إعادة التموضع».
الهدوء عاد إلى طرابلس، لكن دبلوماسيين يقولون إن مشاركة ميليشيا من مصراته (غرب) من شأنها خلق توترات جديدة، ولجماعة الإخوان المسلمين جذور قوية في المدينة المذكورة، وهي في حالة خصومة مع ميليشيا من منطقة الزنتان تسيطر على أجزاء من العاصمة وحملها بعض المسؤولين المسؤولية عن مهاجمة البرلمان.
وقال المتحدث باسم البرلمان عمر حميدان إن رئيسه نوري أبو سهمين طلب من القوات الموجودة في مصراتة تأمين المبنى التابع لهم بعد أن قرر عقد جلسة أمس في قاعة فندق راديسون بلو حتى انتهاء الاستعدادات لتأمين مقر المؤتمر الوطني. وأضاف حميدان أن البرلمان كان يعتزم مناقشة التصديق على حكومة رئيس الوزراء الجديد أحمد معيتيق، لكنه أرجأ ذلك «لأن النصاب لم يكتمل، فضلاً عن استمرار خطف عضو المؤتمر الوطني مسعود عبد السلام عبيد واثنين من الموظفين».
ولم يرد المؤتمر العام (البرلمان) بوضوح على مبادرة الحكومة التي عرضت أول من أمس للخروج من الأزمة، وذلك بأن يدخل المؤتمر «إجازة برلمانية» حتى انتخاب برلمان جديد، ولكن هذا العرض رفضه مسبقاً حزب العدالة والبناء المنبثق من جماعة الإخوان، وهذا الحزب يتنامى نفوذه أكثر فأكثر في المؤتمر إلى جانب حليفه تكتل الوفاء الذي يوصف بأنه أكثر راديكالية. كذلك اقترحت الحكومة تصويتاً جدياً على الثقة بمعيتيق الذي انتخب في أعقاب جلسة تصويت فوضوية ومثيرة للجدل مطلع الشهر الجاري.
في تطور قد يغير مسار الأحداث، حددت مفوضية الانتخابات الليبية تاريخ الخامس والعشرين من حزيران المقبل موعداً لانتخاب برلمان جديد في ليبيا يحل محل المؤتمر الوطني العام الذي يزداد الجدل بشأنه.
ولا يزال اللواء المنشق الذي علق هجومه «لإعادة تنظيم القوات»، يؤكد أنه لا يرغب في الاستيلاء على السلطة، لكنه توعد في تصريح صحافي بتقديم كبار مسؤولي المؤتمر العام والحكومة وجماعة الإخوان إلى المحاكمة في حال اعتقالهم «بتهمة ارتكاب جرائم ضد الشعب الليبي خلال توليهم السلطة». وتفيد المصادر الميدانية بأن حفتر حصل على دعم جديد لهجومه على الفصائل الإسلامية المسلحة التي توعدت بمواجهته، وذلك من قوات خاصة ووحدة النخبة في الجيش الوطني الليبي، وضباط من قاعدة طبرق الجوية (شرق)، وقبيلة البراعصة النافذة في الشرق أيضاً.
داخل بنغازي، صرح قائد القوات الخاصة في الجيش العقيد ونيس بو خماد بأنه «مع معركة الكرامة التي يخوضها الجيش الوطني الليبي وبدأها حفتر»، مذكراً بأن جنوده كانوا في مقدمة من تصدوا للمجموعات المتطرفة، كذلك أعلنت مديرية الأمن الوطني هناك انضمامها إلى اللواء المنشق.
على الطرف الآخر، حذرت جماعة أنصار الشريعة المتمركزة في المدينة من أنها سترد على أي هجوم للواء حفتر. وقالت الجماعة التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة «إرهابية» في بيان لها: «خيار المواجهة أصبح مفروضاً، فهذه المدينة التي شاركنا في الدفاع عنها يوم أن دخلتها أرتال القذافي لن نتوانى في حمايتها مجدداً من أبناء هذا الطاغوت خليفة حفتر وأتباعه»، وفق وصفها. كذلك أعلنت ميليشيات إسلامية أخرى موالية للمؤتمر الوطني مثل غرفة عمليات ثوار ليبيا عداءها لحفتر، منددة بـ«انقلابه»، معلنة أنها حشدت قواتها وتسعى إلى عقد تحالفات جديدة.
وتعيش بنغازي ظروفاً صعبة أدت إلى قرار جامعات فيها تعليق الدراسة منذ الأمس حتى الجمعة، على أن يبحث استئنافها السبت، وذلك بالتوازي مع استمرار إغلاق مطار المدينة.
ورغم هذه الفوضى الأمنية، لم تقرر واشنطن التي تتابع تصاعد الاشتباكات عبر جنود المارينز الذين زجت بهم في جزيرة قريبة، هل ستغلق سفارتها في طرابلس أو لا، لكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية جنيفر بساكي قالت: «نحن قلقون جداً إزاء أعمال العنف التي وقعت في طرابلس وبنغازي». وللولايات المتحدة ذاكرة سيئة مع الليبيين بعدما قتل سفيرها كريس ستيفنز وثلاثة آخرون معه في هجوم قبل عامين على القنصلية الأميركية في بنغازي، ما أدى إلى خفض الطاقم الديبلوماسي لها هناك إلى أدنى مستوى.
عربياً، دعت تونس رعاياها في ليبيا إلى «توخي أعلى درجات الحيطة والحذر»، ونصحت مواطنيها بتجنب السفر إلى الأخيرة «إلا للضرورة القصوى»، علماً أن البلدين يتقاسمان نحو 500 كلم من الحدود البرية المشتركة، ما دفع الجيش التونسي إلى تعزيز تمركزه فيها. ووصفت حركة النهضة الإسلامية التونسية الأحداث الجارية في ليبيا بأنها «محاولة انقلابية»، محذرة من تطور الأوضاع إلى حرب أهلية. وقالت الحركة التابعة للإخوان في بيان لها: «نستنكر بشدة المحاولة الانقلابية واستعمال للسلاح للتعبير عن الرأي أو الموقف السياسي».
وساند «النهضة» في موقفها تصريحات نسبت إلى مصدر مسؤول في وزارة الخارجية القطرية عُبّر فيها عن القلق من الانقسامات السياسية والأوضاع الأمنية التي تمر بها ليبيا وتهدد بتقويض عملية الانتقال إلى الديموقراطية. واستنكر المصدر القطري ما سماه «محاولات المس بالمؤسسات الشرعية باستخدام القوة العسكرية».
في السياق نفسه، قررت شركة النفط الجزائرية سوناطراك إجلاء عمالها من ليبيا، وذلك بعد إغلاق سفارة الجزائر وقنصليتها العامة في طرابلس، لكن الشركة بينت أن إجراءها احترازي، وذلك بالتزامن مع استمرار غلق حقلي نفط الشرارة والفيل غرب البلاد. أما مصر فأعلنت أنها أصدرت أوامر بوقف سفر المصريين إلى ليبيا ومنع دخول الليبيين إليها اعتباراً من أمس إلى حين استقرار الأوضاع الأمنية، بالتزامن مع إجراء وزير الخارجية المصري نبيل فهمي اتصالات هاتفية مع نظرائه في عدد من الدول لبحث الأوضاع المتدهورة في ليبيا.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)