ريف دمشق | بعد مضيّ أكثر من عام من الهدوء، يشهد الوضع الميداني في مدينة داريا، جنوبي غربي دمشق، تصعيداً تدريجياً، بدأ منذ عدّة أيام، وتمثّل في جملة تطورات عسكرية في قلب المدينة وعلى أطرافها الشمالية والشرقية. أولى الإشارات أطلقت قبل يومين، عندما استهدف الحرس الجمهوري مجموعات لـ«الجيش الحر» و«جبهة النصرة» في وسط المدينة وأوقع أكثر من 15 قتيلاً في صفوفهما.
وترافق ذلك مع عودة الاشتباكات الضارية الى الأجزاء الشرقية والشمالية من المدينة، وتكثيف سلاح الجو والمدفعية من استهداف مراكز توزّع المسلّحين. ويقول مصدر ميداني رسمي لـ«الأخبار»: «يستفيد الجيش اليوم من فترة السكينة التي سادت طيلة الفترة الماضية. فالمسلّحون يتحركون على نحو شبه علني بين حي وآخر، وأماكن تجمّعهم باتت معروفة». تحركات الجيش في المنطقة الجنوبية من داريا، من جهة صحنايا والأشرفية، باتت مكثّفة، ومستوى التأهب والاستعداد للمواجهة بين جنود الجيش بات ملحوظاً. يشير مصدر عسكري إلى أن العديد من الأسلحة النوعية نفدت لدى المسلّحين، وأبرزها مضادات الطائرات، «فالطائرات المروحية باتت تحلّق بيسر فوق داريا، من دون أن تطالها المضادات التي ميّزت مسلّحي تلك المنطقة لوقت طويل». ويسعى الجيش إلى تحصين المناطق الجنوبية والشرقية من داريا «فالمواجهات المرتقبة قد تدفع بالمسلّحين إلى الفرار جنوباً أو شرقاً في اتجاه ريف دمشق الجنوبي».

يستفيد الجيش
اليوم من فترة السكينة التي سادت طيلة
الفترة الماضية
طيلة العام الماضي، لم تأت الاشتباكات في مدينة داريا بأي جديد يُذكر. المدينة التي تعدّ مركزاً للغوطة الغربية، ظلّت أحياؤها الرئيسية تحت سيطرة نحو مئات المسلحين من «الجيش الحر» و«جبهة النصرة» وفصائل أخرى تتبع لـ«الجبهة الإسلامية»، فيما يسيطر الجيش السوري على أطرافها من كل الجهات، بما يشغل تقريباً نصف مساحة المدينة. مع إنجاز المصالحة في بلدة المعضمية، شمالي داريا، في شهر شباط الماضي، بات الريف الغربي لدمشق بمعظمه يخضع لسيطرة راسخة للدولة، إذ لم يبقَ من هذا الريف سوى قلب مدينة داريا، إضافة إلى منطقة خان الشيح، كمناطق مشتعلة يسيطر عليها المسلّحون. هذا الأمر بدّد كل طموح لدى مسلّحي الريف الغربي في الإقدام على خطوة تصعيدية في مواجهة الدولة، يقول مصدر مقرّب من «الجيش الحر» لـ«الأخبار». ويضيف: «لم يعد مسلّحو تلك المنطقة يملكون أي قرار، فلا هم قادرون على السيطرة على منطقة جديدة، ولا هم قادرون حتّى على التراجع أو الانسحاب إلى منطقة أخرى». مؤشّرات أخرى دلّت على حالة الضيق التي تعتري مسلّحي داريا، أبرزها كان الانقسام حول الموقف من المصالحات أو الهدنات، إذ «فجّرت مصالحة المعضمية خلافاً كبيراً بين المسلّحين؛ قسم كبير من مسلّحي الجيش الحر رأوا في المصالحة مخرجاً لهم من حالة الركود والمراوحة، فيما رفضت المصالحة قوى أخرى، مثل لواء أحفاد الرسول. أما جبهة النصرة، كعادتها، فقد هدّدت من يشارك في أي مفاوضات بالقتل»، يروي المصدر. المحصلة كانت برفض المصالحة، «الأمر الذي وضع الكرة في ملعب رافضيها، ما دفع هؤلاء إلى اقتراح فرار المسلّحين الجماعي إلى حي القدم، في ريف دمشق الجنوبي، حيث المناورة مع الطوق المضروب من الجيش أكثر يسراً». وفي الشهر الأول من العام الجاري، شنّ مسلّحو داريا هجوماً شرساً على طريق دمشق ـــ درعا الجنوبي لاختراقه في اتجاه منطقة القدم، إلا أن تلك المحاولة «رافقها الفشل، مع خسائر جديدة في الأرواح والعتاد». منذ ذلك الوقت «تستعر الخلافات بين الحين والآخر بين مسلّحي داريا حول القرارات المفترض اتخاذها للخروج من الوضع الخانق الذي يعيشونه». وفي المقابل، لم يصعّد الجيش من عملياته الهجومية ضدّ مسلّحي داريا، طيلة الفترة المذكورة، بل اكتفى بتوجيه ضربات بسلاح الجو والمدفعية، ورصد الجهات الأربع للمدينة للتصدّي لمحاولات تسلّل المسلّحين إلى المناطق المجاورة. ويلقى أحياناً سلوك الجيش الهادئ هذا انتقادات من أوساط متضرّرة من استمرار الحرب في الريف الغربي، فقد بات من المعروف لمعظم قاطني الريف الغربي أن قوى المسلّحين في ذلك الريف تكاد تكون الأضعف من نظيراتها في مختلف مناطق ريف دمشق، إلا أن مصدراً عسكرياً يعزو هدوء الجيش هذا إلى سببين: فمن جهة «كانت الأولوية بالنسبة إلى الجيش تأمين حدود العاصمة القريبة، التي تتداخل من جهة الجنوب والغرب مع بساتين داريا على نحو معقّد، الأمر الذي يتطلّب معالجة دقيقة وموزونة للوضع هناك». ومن ناحية ثانية، فإن منطقة داريا تقع في عداد «المنطقة الجنوبية في التقسيمات الجغرافية العسكرية التي يتبعها الجيش، أي إن معالجة هذه المنطقة ستأتي في إطار معالجة المنطقة الجنوبية، التي تبدأ من داريا إلى الكسوة وباتجاه درعا». ويلفت المصدر إلى خط العمليات الهجومية التي اتبعها الجيش لتأمين ريف دمشق، حيث بدأ من الشمال في القلمون، نحو الغوطة الشرقية، وسيمتد إلى الجنوب.