بغداد | عشرون يوماً تفصل العراق عن أوّل انتخابات مبكرة منذ سقوط نظام صدام حسين. وفي الانتظار، تشتدّ حمى المباحثات حول مصير المناصب الرئاسية الثلاثة (الحكومة والجمهورية ومجلس النواب)، إذ هيّأ كلّ تحالف انتخابي مرشّحه مبكراً، على أمل أن يحظى بتوافق سياسي يؤهّله للجلوس على مقعد الرئاسة في المرحلة المقبلة. غير أن المنافسة في هذه الدورة تبدو مختلفة؛ إذ إن الرؤساء الحاليين، مصطفى الكاظمي وبرهم صالح ومحمد الحلبوسي، قد زاحموا منافسيهم من مرشّحي الكتل لقطف ثمار التوافق المبكر، بغية الفوز بولاية ثانية، كلّ بحسب منصبه ومهامّه. ويلفت مصدر مطلع، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أنه في المدّة التي أعقبت تحديد موعد الانتخابات المبكرة، استخدم الكاظمي لقب «سيّد المقاومة» أكثر من مرّة، لوصف زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، وهو ما فُهم، إلى جانب مؤشّرات أخرى، على أنه تلميح إلى ضوء أخضر ناله الكاظمي من الصدر للبقاء على كرسي رئاسة الوزراء. ومن جهته، لا يترك الصدر مناسبة إلا ويشكر فيها الكاظمي، على عكس تعامله مع رؤساء الوزراء السابقين، وهو ما تَكرّر في خطاب العودة عن مقاطعة الانتخابات، حيث أثنى على رئيس الحكومة لِمَا حقّقه من «إصلاحات». في المقابل، يطرح «تحالف الفتح» بزعامة هادي العامري، الأخير، مرشّحاً لرئاسة الحكومة، فيما يقدّم «تحالف قوى الدولة الوطنية» الذي يترأسه عمار الحكيم، رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، مرشّحاً لقيادة المرحلة المقبلة. لكن يبدو أن الأوفر حظّاً من هؤلاء لا يزال هو الكاظمي، ولا سيما في ظلّ وجود مؤشّرات إلى أن الرجل لم يغادر بعد موقعه كمحور توافق إقليمي ودولي.
لا يزال الحلبوسي متمسّكاً بمنصبه على رغم الملاحظات الكثيرة على أدائه

على جبهة رئيس الجمهورية، يبدو حسم المنصب مرهوناً بعدّة أمور، من بينها الاتفاق مع القوى الكردية المشطورة قسمَين، أكبرهما داعم لبرهم صالح في تجديد ولايته الرئاسية، بعدما تمكّن الأخير، من خلال جولاته ومحادثاته مع حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، من إقناع قيادة السليمانية بتقديمه مرشّحاً وحيداً بلا منافس. لكن بحسب ما قاله مصدر نيابي مطّلع لـ«الأخبار»، فإن «بعض القوى الشيعية قد تأخذ في اعتبارها ما فعله صالح برفضه تكليف أسعد العيداني وقبوله تكليف الكاظمي، الأمر الذي يمكن أن يجعله بعيداً عن تحقيق طموحه إلى تولّي ولاية رئاسية ثانية، خصوصاً أن جزءاً من الغالبية الشيعية يؤيّد تولّي مرشّح يحظى بتوافق كردي - شيعي مطلق بدلاً من صالح». وعلى مستوى رئاسة البرلمان لا يبدو الأمر مختلفاً، لا يزال محمد الحلبوسي متمسّكاً بمنصبه، على رغم الملاحظات الكثيرة التي تُسجّلها قوى سياسية على أدائه. لكن في مقابل اسمه، ثمّة أسماء أخرى مطروحة لرئاسة مجلس النواب، من بينها وزير الدفاع الأسبق، القيادي في «تحالف عزم» الذي يرأسه خميس الخنجر، خالد عبيدي، ومحمد تميم الذي قد يصطفّ خلفه معظم «صقور السُّنّة» كمرشّح وسطي يرضي القوى المتنافسة في ما بينها، إذا لم ينجح رفاق الحلبوسي والخنجر في إقناع القوى الكردية بمسألة تبادل منصبَي رئاستَي البرلمان والجمهورية، وهو أمر ترفضه القوى الكردية ولا ترى ضرورة له.
في ضوء ذلك، تبقى مسألة حسم الرئاسات الثلاث مرهونة بنتائج الانتخابات، وما ستؤول إليه تفاهمات الكتل السياسية، فضلاً عن الفاعلين الدولييين والإقليميين. وفي هذا الإطار، يؤكد مصدر مطلع، لـ«الأخبار»، أن الولايات المتحدة وبريطانيا وجزءاً من القوى السياسية العراقية ترى بقاء الكاظمي لولاية ثانية ضرورة، في حين يحظى زعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، بدعم بعض القوى السياسية الكردية، وخاصة «جناح أربيل». أمّا إيران، فستدعم ما تتوافق عليه الأغلبية «الشيعية» في اختيار رئيس الوزراء المقبل، وهو التوجّه ذاته لدى الدول العربية الفاعلة على الساحة العراقية، والتي ستدعم الإجماع «السُّنّي» في اختيار رئيس البرلمان المقبل.