حلب | يبدو أن السوريين على موعد هذا العام مع شتاء قارس يرافقه شحّ في المشتقّات النفطية. وهي ليست المرّة الأولى التي يواجهون فيها الفصل المذكور من دون توفّر أدنى مقوّمات التدفئة؛ فالكثير من الأسر لم تحصل العام الماضي على كمّيات المازوت المقرَّرة والمحدَّدة بـ200 ليتر تُوزّع على دفعتَين، لكنّ المشهد سيتكرّر السنة الحالية على نحو أقسى، ولا سيما أن الـ200 ليتر أصبحت 50 فقط. تقليص مخصّصات الأسر من المشتقات النفطية إجراء اتّبعته وزارة النفط السورية لضمان توزيع المتوفّر من المحروقات على أكبر شريحة ممكنة من المواطنين، إلا أنه لم يأتِ بنتائج مرضية، فالأزمة ما زالت مستمرّة، لا بل متفاقمة. والآلية نفسها اعتمدتها وزارة النفط تكيّفاً مع أزمة البنزين، حيث سبق وأن خفّضت الكميات المخصّصة منه بنسبة 17%، فيما البطاقة الذكية التي أطلقتها الحكومة السابقة لترشيد توزيع المواد المدعومة، وإنْ أخفت مشهد الطوابير، غير أنها أيضاً لم تحلّ المعضلة. وبحسب وزارة النفط السورية، فإنه غالباً ما يحدث تأخير في وصول توريدات المشتقات النفطية المتعاقد عليها، ويرجع ذلك إلى أسباب متعدّدة متشعّبة، تتصدّرها العقوبات الاقتصادية والحصار الأميركي.وفي هذا الإطار، يلفت الخبير الاستراتيجي، كمال الجفا، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «أسباب أزمة المحروقات في سوريا تعود إلى الحصار الدولي بالدرجة الأولى، لكنّ سيطرة قسد على آبار النفط هي سبب أساسي أيضاً». وكانت «قسد» رفعت، أخيراً، أسعار بيع المحروقات في الرقة، ليصبح سعر ليتر مادة المازوت 700 ليرة سورية بعد أن كان 400، وسعر مادة البنزين 1300 ليرة بدلاً من 1000، مع أنه منتَج محليّ وتكاليف تكريره غالباً ما تكون زهيدة الثمن. أمّا عن الأسباب الأخرى، فيلفت الجفا إلى أن «الضربات المتكرّرة على خطوط نقل الغاز والنفط إلى المصافي السورية ومحطّات التوليد، وضرب صهاريج نقل النفط الخام من آبار النفط إلى المصافي السورية، والاستهدافات التي تتعرّض لها السفن الإيرانية من قِبَل الإسرائيليين، كلّها عوامل تعرقل وصول كميات كافية من النفط إلى سوريا». وينعكس ذلك على الحياة اليومية للمواطنين، سواءً في ما يتعلّق بشحّ البنزين وما ولّده من أزمة مواصلات في بعض المحافظات السورية، أو في ما يتّصل بقلّة مازوت التدفئة وما يلزم من المشتقات النفطية لتوريد الكهرباء. واللافت في الأمر توافر المواد المدعومة من بنزين ومازوت في السوق السوداء بأسعار مضاعفة.
بدأ المواطنون العمل على إيجاد وسائل للتكيّف مع قلّة المشتقات النفطية

ففي أواخر العام الماضي، كان سعر الـ25 ليتر مازوت في السوق السوداء نحو 50 ألف ليرة سورية، أمّا هذا العام، وقبيل بدء فصل الشتاء، فقد بلغ سعر الليتر الواحد منه 3500 ليرة، ما يرجّح احتمالية عجز المواطنين عن شرائه.

بدائل حكومية وشعبية
مع استمرار أزمة المحروقات، سعت الحكومة السورية إلى اعتماد بدائل مختلفة بهدف توفير أكبر قدر من المشتقّات النفطية لضمان سير عمل المنشآت الحيوية. وفي هذا الإطار، عملت الحكومة على شراء النفط من «قسد» عبر وسطاء كطرف ثالث، فيما اتجهت إلى التعاون مع الحلفاء، وخاصة إيران، لتوريد شحنات نفط عبر شركات وهمية وعبر شركات نقل متعدّدة للهروب من الحصار والعقوبات الأميركية. كما استفادت من حماية الأسطول الروسي لإيصال السفن التي تحمل النفط إلى الشواطئ السورية. كذلك، اعتمدت على التجّار والصناعيين السوريين في دفع قيمة شحنات النفط بالقطع الأجنبي من خارج سوريا، واستيفاء ثمنها بعد وصولها وبيعها من قِبَل الحكومة بالليرة السورية، بحسب ما يبيّن الخبير كمال الجفا.
بدورهم، بدأ المواطنون العمل على إيجاد وسائل للتكيّف مع قلّة المشتقات النفطية، فاتّجه البعض منهم إلى الاعتماد على الحطب في التدفئة بدلاً من المازوت، ولا سيما مع عدم حصول أغلب الأسر على مخصّصاتها من المازوت بسعر مدعوم العام الماضي. إلا أنه وفي ظلّ ارتفاع سعر الحطب أيضاً، ركن آخرون إلى استخدام الكهرباء في التدفئة، في حيلة يبدو أنها لم تُجدِ نفعاً في مناطق كثيرة، ولا سيما في حلب. فلا تغذية كهربائية منتظمة في المدينة، والمولّدات أو ما تُعرف بـ«الأمبيرات» ما زالت تسيطر على المشهد، غير أنه لا يمكن استخدام كهربائها لتشغيل سخانات التدفئة مثلاً، فـ«الأمبير» الواحد وصل سعره إلى 11 ألف ليرة سورية، ما يحتّم على المواطنين الاشتراك بأمبير أو اثنين، في حين أن البعض منهم اضطر إلى إلغاء الاشتراك بـ«الأمبيرات» لعدم قدرته على دفع الفواتير أسبوعياً. وكانت المولّدات قد ظهرت في حلب كحلّ بديل اعتمده المجتمع المحلي لتعويض غياب الكهرباء لسنوات، أمّا الآن ومع تقليل الكميات اللازمة من المازوت التي يزوَّد بها مشغّلو «الأمبيرات» بسعر مدعوم، وأمام ارتفاع سعر المادة في السوق السوداء، فلا يبدو الالتزام بالتسعيرة التي حدّدتها محافظة حلب لـ«الأمبير» الواحد ممكناً، ما يعني استمرار الغلاء، وانتظار آليات حكومية جديدة، وربّما توقيع اتفاقيات مرتقبة تضمن وصول ناقلات النفط بـ«سلام» إلى الموانئ السورية.