تونس | استطاع رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد الدبيبة، ترميم الشرخ الحاصل في العلاقة مع الرئيس التونسي، قيس سعيد، وتدارُك تصريحاته التي تسبّبت في أزمة بين البلدين. وجاءت حصيلة زيارته السريعة إلى تونس، إيجابية، لا سيما بعد موافقة هذه الأخيرة على فتح الحدود إثر ترتيبات صحية يتّفق عليها الجانبان. وفي هذا السياق، اعتبرت الرئاسة التونسية، في بيان، أنه من الضروري «النأي بالعلاقات الثنائية عن كل محاولات التشويش من أجل مستقبل أفضل للشعبين الشقيقين وفق تصوّر جديد»، وهي الإشارة اليتيمة في بيانَي رئاسة الجمهورية التونسية ورئاسة الحكومة الليبية إلى الأزمة الدبلوماسية التي استجدّت منذ أسابيع، فيما خُصِّص اللقاء لمناقشة مسائل متعلّقة بإعادة الإعمار ومساهمة الشركات التونسية فيه. ولم يغب الملفّ الأمني المتعلّق أساساً بـ«مكافحة الإرهاب»، عن اللقاء، كونه مرجع الخلاف وسببه الرئيس، إذ كان الدبيبة اعتبر أن تونس هي التي تصدّر الإرهاب إلى ليبيا وليس العكس. وتصاعدت الأزمة بعدما أمهل «قصر قرطاج» رئيس الحكومة الليبية أياماً للاعتذار قبل أن يصدح وزير الخارجية، عثمان الجرندي، بأوّل موقف دبلوماسي رسمي حول الحادثة على هامش لقائه بنظيرته الليبية نجلاء المنقوش خلال مؤتمر دول جوار ليبيا، الذي عُقد أخيراً في الجزائر، ليبلغها استهجان بلاده لهذا الموقف.ورأى المحلّل السياسي عبيد الخليفي، في حديث إلى «الأخبار»، أن حاجة البلدين إلى استمرار العلاقات بينهما «أساسية وعضوية»، معتبراً أنه «لولا عامل نقص الخبرة والنضج السياسيَّين لدى الدبيبة لما حدثت أزمة دبلوماسية في ظلّ وضع إنساني صعب على حدود البلدين». وقال الخليفي إن الرأي العام التونسي تلقّى باستهجان قرار ليبيا غلق حدودها مع تونس بحجة انتشار وباء «كورونا»، وهو ما ردّت عليه الأخيرة بإجراء مماثل، لافتاً إلى أن «الوضع الإنساني على الحدود ينبئ باحتقان كبير؛ فمِن جانبها مُنعت العائلات الليبية من الالتحاق بالمستشفيات وتسجيل أبنائها في الجامعات التونسية، فيما حال غلق الحدود أيضاً دون تزوّد المناطق الحدودية التونسية بالمؤن والبنزين من ليبيا». واعتبر الخليفي أن «الأولَى لتونس أن تتعامل ببراغماتية مع الوضع في ليبيا، والالتفات إلى مساهمتها في إعادة الإعمار، خصوصاً في ظلّ تزايد الأطماع التركية بمشاريع إعادة الإعمار، وسعيها إلى احتكار التوريد للسوق الليبية»، ما من شأنه أن يلقي بتداعيات كبيرة الاقتصاد التونسي.
يعتبر سعيد أن الدستور الحالي أصبح عائقاً أساسياً يفترض تعليقه وتعويضه بتنظيم موقت للسلطة


ولم تمضِ ساعات على مغادرة الدبيبة، حتى استقبلت تونس وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في زيارة وصفها المراقبون بـ«المهمّة»، كونها جاءت «في سياق تأكيد أهمية العلاقات مع الشريك الاستراتيجي تونس»، و«تمسّك الاتحاد بالديموقراطية التونسية وضرورة احترام المؤسسات والحقوق والحريات مع الاحترام التام للسيادة التونسية». ولفت بوريل، في بيانه، إلى أن «التكتُّل يترقّب باهتمام بالغ الإجراءات التي سيتخذها سعيد في الأسابيع المقبلة، على أن يدرسها ويصدر موقفاً إزاءها». ويُستخلص من تصريح المسؤول الأوروبي أن سعيد وضع سقفاً زمنياً للخطوات المقبلة ببضعة أسابيع. وفي حين صرّح مستشار رئيس الجمهورية، وليد الحجام، الخميس الماضي، بأن «الرئيس يعتبر أن الدستور الحالي أصبح عائقاً أساسياً يفترض تعليقه وتعويضه بتنظيم موقت للسلطة، في انتظار تغيير النظام السياسي والانتخابي»، أعلن سعيد، أوّل من أمس، أن تشكيل الحكومة سيتم في أقرب الآجال، متحدّثاً من جهة ثانية عن إمكان إدخال تعديلات على دستور البلاد، وهو ما رفضته «حركة النهضة» و«الاتحاد العام التونسي للشغل». وقال سعيد، لـ«سكاي نيوز» والتلفزة الوطنية بعد جولة له في شارع الحبيب بورقيبة وسط حراسة مشدّدة، إن الحكومة ستُشكّل «في أقرب الأوقات» بعد اختيار الأشخاص الذين «لا تشوبهم شائبة»، فيما تطرّق سعيد إلى دستور عام 2014، قائلاً «أحترم الدستور، لكن يمكن إدخال تعديلات على النص»، لأن «الشعب سئم الدستور والقواعد القانونية التي وضعوها على المقاس، ولا بدّ من إدخال تعديلات في إطار الدستور... الدساتير ليست أبدية ويمكن إحداث تعديلات تستجيب للشعب التونسي لأن السيادة للشعب ومن حقه التعبير عن إرادته». ولا تبدو هذه الخطوات مفاجئة للرأي العام التونسي، خصوصاً المتابعين لسعيد خلال حملته الانتخابية، وهو الذي شدّد، في أكثر من مناسبة، على أن النظام السياسي هجين ولا يكرّس إلّا الزبائنية السياسية، وأنه من الأجدى العودة إلى صاحب السيادة الأصلية، أي الشعب، من طريق انتخاب الأشخاص لا القوائم الحزبية.