يباشر المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، السويدي هانز غروندبرغ، اليوم الجمعة، أعماله رسمياً، مستهلّاً إيّاها بإحاطة يقدّمها إلى مجلس الأمن حول رؤيته للحلّ والتعقيدات التي تواجهه، والتي يبدو أنه على دراية جيّدة بها، من دون أن يعني ذلك أن حظوظه ستكون أفضل من سابقَيه، خصوصاً أن ملفّ الحرب على اليمن بات بالكامل بيد الولايات المتحدة، التي باتت تتشدّد في رفع السقوف أكثر من السعودية نفسها. ولهذه الغاية، عيّنت إدارة جو بايدن مبعوثها الخاص إلى اليمن، تيم لندركينغ، الذي أدار المفاوضات في الأشهر الماضية كطرف منحاز يبحث عن مكاسب لكلّ من الرياض وأبو ظبي وحتى تل أبيب. وفي أحسن الأحوال، فإن غروندبرغ سيكون مجرّد قناة للتواصل مع الجهات التي لا تستطيع واشنطن الحديث المباشر معها، ولا سيّما في صنعاء، التي رحّبت، مع هذا، بالمبعوث الجديد، مُتمنّية أن يكون رفع الحصار أولى أولوياته، باعتباره «خطوة أساسية على طريق بدء محادثات بنّاءة ومثمرة». في المقابل، أظهر طرف ما يُسمّى «الشرعية» حذراً في التعامل مع غروندبرغ (وهو نفسه ما وسم أداءها إزاء سلفَيه)، نتيجة الخشية الدائمة لديها من التضحية بها، بوصفها الحلقة الأضعف والفاقدة لأوراق القوة. وما يزيدها ريبة، هذه المرّة، أن الدبلوماسي السويدي يحظى بدعم دولي وأممي واسع، إضافة إلى كونه يملك تصوّراً واضحاً عمّا يمكن عمله في اليمن، ولا سيما لناحية تجاوز القرار الأممي 2216 الذي يطالب «أنصار الله» بالانسحاب من المدن وتسليم السلاح، كما سيعترف بحكومة الإنقاذ كطرف شرعي لا كـ«جماعة انقلابية»، وسيتعامل مع أطراف مختلفة منافسة لحكومة عبد ربه منصور هادي، والمقصود هنا «المجلس الانتقالي الجنوبي».إلا أن غروندبرغ لن يستطيع فعل شيء ما لم تتوافر إرادة غربية، وتحديداً أميركية للحلّ. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار»، من مصادر دبلوماسية، أن واشنطن كانت في صدد الإعداد لأفكار سياسية جديدة لم تُطرَح من قبل، من دون أن ترقى إلى مستوى مبادرة سياسية. ورجّحت المصادر أن يكون الانسحاب الأميركي المذلّ من أفغانستان، وما أعقبه من تداعيات في واشنطن، هو الذي أخرج الملّف اليمني حالياً من سلّم الأولويات الأميركية. لكن، بحسب المعلومات، فإن المبعوث الأميركي يعمل حالياً على الإعداد لزيارة عاشرة إلى المنطقة، للاطّلاع على مستجدّات مواقف الأطراف، ولا سيّما الحليفة منها. وإزاء ذلك، اعتبرت مصادر قريبة من وفد صنعاء المفاوض، في حديث إلى «الأخبار»، أن «واشنطن عاجزة حتى الآن عن تقديم مبادرة منصفة بسبب تبنّيها المطلق للعدوان على اليمن»، مرجّحة أن «تكون سمة المرحلة المقبلة التشدّد من واشنطن حتى لا يبدو أنها تراجعت بعد انسحابها المذلّ من كابول». باختصار، ليست ثمّة أيّ بوادر في الأفق لحلّ شامل في اليمن، ولو افتُرض وجود النيّة لدى الأطراف الداعمة للتحالف السعودي - الإماراتي، فهي نيّة البحث عن حلول جزئية تستجيب لمتطلّباتها الرامية إلى إبقاء اليمن تحت الوصاية، وهو ما ترفضه صنعاء، وهذا ما جدّدت قيادتها السياسية تأكيده في الأيام الماضية.
كانت واشنطن في صدد الإعداد لأفكار جديدة لم ترقَ بعد إلى مستوى مبادرة سياسية


الخرق الوحيد الذي يمكن الحديث عنه، إلى الآن، هو أن العديد من الجهات المؤثّرة في الشأن اليمني باتت مُسلّمة بأن الظروف تَغيّرت كلّياً، وبأن موازين القوى إنما هي اليوم لمصلحة صنعاء، التي لم تَقبل بـ«المرجعيات الثلاث» (قرار مجلس الأمن 2216، المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني) قاعدة للحلّ عندما كانت في مرحلة الدفاع، فكيف الحال وهي في مرحلة الهجوم والمبادرة؟ الأكيد أن صنعاء لا تزال تَعتبر المرجعيات المذكورة (ولا سيما القرار 2216 الذي صيغ وفق الرغبات الأميركية والسعودية، وهو يمثّل النسخة الأصلية التي قدّمها السفير السعودي في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، وتمّ التصويت عليها من دون أيّ تعديل في الأيام الأولى للحرب) بحُكم الميتة سريرياً، وهو ما شدّدت عليه في كلّ المفاوضات السابقة، الأمر الذي دفع الطرف المقابل إلى تقديم تنازلات أحدثت خروقاً في هذا المجال، من دون أن تصل إلى مستوى ما تطالب به صنعاء. وهنا، يمكن الحديث عن عقدة رئيسة سيواجهها المبعوث الأممي الجديد، وهي البديل الصالح الذي يمكن أن تتوافق عليه الأطراف.
والجدير ذكره، أخيراً، أن الأمم المتحدة كانت قد عيّنت وزير الخارجية الموريتاني الحالي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مبعوثاً أممياً إلى اليمن، خَلَفاً لجمال بن عمر، إلا أن تمسّكه بـ«المرجعيات الثلاث» في مفاوضات جنيف والكويت دفع قيادة «أنصار الله» إلى وقف التعامل معه، الأمر الذي اضطرّ المنظمة الدولية إلى تغييره وتعيين البريطاني مارتن غريفيث، الذي وصل إلى نتيجة واضحة بأن البناء على تلك المرجعيات غير ممكن. وأبدى غريفيث مرونة أكبر ممّا طبع أداء سلفه، غير أنه فشل في وضع حدّ للحرب، على رغم تحقيقه اختراقات جزئية، تمثّلت في توقيع «اتفاق ستوكهولم»، الذي أوقف المعارك في مدينة الحديدة نهاية 2018، باستغلال الوضع الحرج للنظام السعودي على إثر جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، فضلاً عن رعايته تبادل 1056 أسيراً في تشرين الأول من العام الماضي.