القاهرة | بدأت، أمس، في العاصمة التركية أنقرة، الجولة الثانية من المباحثات الاستكشافية الجارية بين الخارجية المصرية ونظيرتها التركية، وذلك تلبية لدعوة من الأخيرة. وتأتي هذه الجولة استكمالاً للجلسة الأولى التي عقدت في القاهرة واستمرّت أياماً عدّة، وتخلّلتها مباحثات سرية وأخرى معلنة. وعلى رغم أن الدعوة التركية قائمة للجانب المصري منذ بداية حزيران الماضي، وتحديداً مع إيقاف تركيا جميع البرامج التي تنتقد النظام المصري، إلا أن الموعد لم يتحدّد بشكل نهائي إلا الأسبوع الفائت.وبحسب مصدر مصري رفيع اطلع على استعدادات الخارجية المصرية للاجتماعات، فإن ما جرت مناقشته في أيار الماضي لم يتحقّق سوى أقلّ من 30 في المئة منه على أرض الواقع، وهو ما دفع القاهرة إلى الإصرار على استكمال المشاورات التي يُتوقع أن تتراجع وتيرتها على المستوى الدبلوماسي، لصالح التنسيق الاستخباراتي والأمني الذي زاد بشكل ملحوظ أخيراً. ولا يُعوَّل كثيراً على نتائج الجولة الثانية، في ظلّ استمرار هوّة الخلافات بين الطرفين، بخاصة في قضايا رئيسة على المستوى الإقليمي من بينها ليبيا وسوريا، إضافة إلى عدم تقديم أنقرة ما تراه القاهرة بمثابة دعم كافٍ لمسار المفاوضات الثنائية، لا سيما في ملف قيادات "الإخوان" الموجودين في تركيا. وعليه، فإن التحسّن الأبرز المرتقب في المباحثات، هو إمكانية تصعيدها لتكون على مستوى وزراء الخارجية، لكن حتى هذا الأمر لم يحسم بشكل كامل، في انتظار موافقة الجانب المصري الذي سيطلع المسؤولين في الرئاسة على النتائج فور عودته، قبل اتخاذ أيّ إجراء جديد.
وتناقش الجولة الثانية، التي يترأس الوفد المصري إليها نائب وزير الخارجية، حمدي لوزا، مسألة التزام الإعلام المصري بوقف أيّ هجوم على تركيا وانتقاد رئيسها، إضافة إلى عدم فتح أيّ قنوات للتواصل مع المعارضة التركية، التزاماً بما جرى التوافق عليه خلال أيار الماضي. أما على المقلب التركي، فعلى رغم أن الصمت الإعلامي للقنوات المعارضة للنظام المصري التي تبثّ من تركيا، حظي بترحيب القاهرة، لا سيما مع توقف القنوات الناطقة بالتركية، هي الأخرى، عن انتقاد النظام ووصفه بـ"الانقلابي"، وهو ما رصد في تقرير المتابعة الذي أعدّه الوفد المصري لمناقشته مع الجانب التركي، إلا أنه ثمة مشكلات عدة لم تُحلّ بعد، في مقدمها آلية استعادة العلاقات السياسية، والتصريحات التي تصفها مصر بـ"السلبية" من قِبَل بعض الشخصيات في الحكومة التركية أو في "حزب العدالة والتنمية". وفي هذا الإطار، سيجدّد الجانب المصري رفضه التدخّل التركي في الأحداث الداخلية (كما في التعليق السلبي على عمليات الإعدام)، أو حتى في العلاقات المصرية مع ليبيا.
ولا ترغب مصر في إغضاب حلفائها، بخاصة قبرص واليونان، اللتين شكّلت معهما تحالفاً مناهضاً للسياسات التركية في مجالات عدّة، خصوصاً تقسيم الغاز في منطقة شرق المتوسط، علماً أن مصر ستدخل في مفاوضات رسمية قريباً مع تركيا من أجل مناقشة هذا الملف، بعدما تمّ ترسيم الحدود بين مصر واليونان وقبرص في أوقات سابقة، وبما لا يدخل في النزاع بين نيقوسيا وأثينا من ناحية وأنقرة من ناحية أخرى. وكانت جرت مناقشة ملف العلاقات المصرية – التركية بشكل مستفيض خلال زيارة الرئيس القبرصي الأخيرة إلى القاهرة الأسبوع الجاري، والتي تعهّد خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي بالاستمرار في النهج نفسه في العلاقات الثنائية وعلى المستوى الإقليمي من دون شروط، مع التأكيد أن العلاقات مع تركيا إذا تحسّنت على المدى المتوسط، فلن تنال من العلاقات مع قبرص، والتي تشمل تعاوناً متصاعداً في مجالات عدة.